لطالما لوح الوزير أشرف ريفي بمواقف وإجراءات ستفاجئ الجميع، ولم يخف يوماً استعداده حتى لمقاطعة جلسات مجلس الوزراء، اذا ما أدرك أن المماطلة في إقرار اقتراحه بإحالة ملف ميشال سماحة الى المجلس العدلي، قرار مقرر من جانب الوزراء الأضداد.
أما الاستقالة، فقد كانت أبغض الحلال دائماً، لدى الوزير اللواء، ما يعني أن ثمة خطباً ما حصل ودفع به الى الحلال البغيض، قد يكون أخطر مما أعلن، وهو رفضه أن يكون غطاء لمن يحاولون السيطرة على الدولة ومؤسساتها. معتبراً أن الاستمرار في الحكومة يصبح بمثابة موافقة على هذا الانحراف…
والراهن أن مبدئية الوزير ريفي جعلته يغرد وحيداً في غالب الأحيان، وقد تجاوزت الأمور عنده مسألة عدم تمكينه من إحالة سماحة الى المجلس العدلي، عندما فوجئ بضحالة موقف الحكومة من تجاوزات وزير خارجيتها بحق الاجماع العربي في مؤتمري القاهرة وجدة، وتفسيرها الماء بعد الجهد بالماء، أو محاولتها تكحيل الأمور فأعمتها، في بعض توصيفاتها للأشقاء والأصدقاء والتمترس خلف سياسة النأي بالنفس، الذي يجوز عندما يكون الصراع بين الأشقاء، أما عندما يكون حتى بين شقيق وصديق، فلا مجال للحيرة أو المفاضلة.
لقد كان بوسع المعنيين توسيع جداول أعمال الحوارات الثنائية أو الثلاثية أو الجامعة، لتشمل طرح الحد الأدنى من الحصانة السياسية والاعلامية، للدول الشقيقة والصديقة، والتي لها في لبنان أذرع وأصدقاء، منعاً لتحول ربط النزاع الى نزاع. لكن الحملة على العربية السعودية، ذات الصلة بعاصفة الحسم في اليمن، ورعد الشمال في سوريا، رغم ما تعنيه المملكة بالنسبة الى اللبنانيين، مقيمين عندها أو في مختلف دول الخليج العربي، أو بالنسبة الى مؤسسات الدولة اللبنانية وعلى رأسها الجيش، أوجبت على وزير العدل رفع الصوت، على هذا النحو الصارخ.
والسؤال الآن ماذا بعد؟ والجواب ان مجلس الوزراء سيعقد جلسة استثنائية صباح اليوم، لأول مرة بدون الوزير ريفي، ليبحث مسألتين: مسألة تعليق الحكومة السعودية صرف هبتها المالية لتسليح الجيش والأمن الداخلي، ومسألة مئات آلاف الأطنان من النفايات المتراكمة في الساحات والشوارع.
ومن دون شك، استقالة الوزير ريفي ستكون على رأس جدول البحث، كونها قد تكون مقدمة الى استقالات أخرى، اذا ما تعقّدت ردّات الفعل الشعبية، انتصارا للوزير ريفي، أو تضامناً مع العربية السعودية، واذا ما تطور الوضع الى قطع الطرق، تقليدياً داخل المدن أو خارجها بقصد شلّ الوضع العام، كما بدأ يلوح في الأفق، وصولاً الى استقالة الحكومة برمتها، والنائب مروان حمادة نصح بذلك، على أساس التحوّل الى تصريف الأعمال، فتصريف الأعمال اقلّ ضرراً من اصدار قرارات فئوية مدمّرة للمصالح اللبنانية في الداخل والخارج.
والسؤال الآن، هل نحن باتجاه تحوّل الحكومة من الأفعال الى تصريف الأعمال؟ هذا الوضع قد يصبح حالة ضرورة اذا ما عجزت حكومة سلام عن بلورة موقف اعتذاري من المملكة العربية ومن دول الخليج قاطبة، واذا ما استمر مجلس الوزراء أسير القوى النافذة والمعطّلة، والمثل يقول: الأعمال الجيّدة تتم فوراً…
ويقال أيضاً، هناك من يدرّس التاريخ وهناك من يصنع التاريخ… ويبدو ان في لبنان مدرّسين للتاريخ، لا صنّاع له…
الواقع ان الوزير ريفي رمى حجر استقالته في بركة الحكومة وها هو لبث يراقب حركة الدوائر. –