IMLebanon

حق التشهير بـ«زوار السفارة»

حالة الإعلام، مع النافذين في سلطات المال والأعمال والأمن والعسكر والدين والعقائد، يمكن اختصارها بمثل شعبي هو: «شيئان لا يمكن أن تعرف عنهما، موبقات الأغنياء، وموت الفقراء». وهذه معادلة تظل قائمة ما دام لا يمكن من يمثل حقه كفرد، أو ينطق باسم الحق العام، أن يحصل على وسيلة لإعلان ذلك.

«ويكيليكس» تعني أمراً واحداً: قدرة مجموعة من الأفراد على انتزاع حق التشهير بموبقات الأغنياء وأهل السلطة والجاه، وإعلان قهر الفقراء والمظلومين.

لنا في «الأخبار» تجربة مع الأمر. ليس بتعاوننا المفتوح مع منظمة «ويكيليكس» فقط، بل في أننا انتزعا حقاً، صحيح أن هامشه لا يزال ضيقاً، لكنه صار حقاً مكتسباً في عقل الرافضين قبل الراغبين. وهو حق التشهير بمن يخالف أصول الحياة، وبمن يقتل ويسرق ويعتدي وكأنه يفعل ذلك في ليل لا يراه أحد. وحق التشهير مطلق، وما يضبطه هو ألا يتحول التشهير إلى سبب في فوضى أكبر من تلك التي سبّبها القابضون على أرواح البشر بيننا. وهذه ضوابط لا يمكن إيرادها في كتاب أو دليل، هي عملية اختيارية، تستند إلى رؤية الطرف الذي ينوي التشهير بالآخرين. وما وفرته «ويكيليكس» لنا ولغيرنا، هو المستند الذي يؤكد ما نعرفه بطرق أخرى.

اليوم، نتعاون مع «ويكيليكس» في مراجعة ونشر مجموعة من الوثائق العائدة إلى وزارة الخارجية السعودية. وهي تتناول ملفات كثيرة، في الأمن والسياسة والإعلام والاقتصاد والعلاقات بين الناس وبين الدول. لكن سمتها العامة تعكس، لدى السلطة السعودية، «قلقاً» مرضياً على الصورة والسمعة. يمكن مَن سيتاح له الاطلاع على هذه الوثائق، أن يدرك حقائق ثابتة:

ــ أن سلطة آل سعود قائمة بقوة الحديد والنار والمال. وأنها سلطة تريد كمّ الأفواه حيث أمكن، لا تقف عند حدود جغرافية ولا عند خصوصيات دول أو شعوب، ولا تهتم لثقافات أو تنوع. كل ما يهمها، هو أن تمنع أي نقد لحكامها أو سياساتها، أو لما تقوم به في السر أو العلن.

ــ أن مؤسسات مملكة القهر لا تزال بدائية، ليس فيها من هيكلية واضحة، ولا أي نوع من المهنية؛ وليس فيها أولويات أو تنظيم إداري دقيق، وليس لها مرجعية ثابتة. وكل من يقع تحت نطاق عمل هذه المملكة يتصل أولاً وأخيراً بالعائلة الحاكمة. ولكن، ليس لأي موظف في مؤسسات هذه الدولة أن يأتي على ذكر أمير أو أميرة بغير المدح والحمد.

ــ أن قوائم تضم المئات من المؤسسات والأشخاص الناشطين سياسياً وإعلامياً تظهر استعداداً كبيراً جداً للحصول على دعم هذه المملكة. وأن لديها جيشاً مستعداً للعمل لديها كمخبرين، وليس مهماً إن قال هؤلاء كلاماً صحيحاً أو مفبركاً، المهم أن يسمعوا المملكة الكلام الذي يناسبها. ولهم مقابل ذلك كيس من الدنانير.

ــ أن مملكة القهر مهجوسة بمن قررت هي أنهم خصومها، داخل البلاد وقربها وفي المحيط والعالم البعيد. وثمة قاعدة طائفية ومذهبية مقيتة يلجأون في غالب الأحيان لاستخدامها في سياق التجنيد أو التحريض.

ما ستنشره «الأخبار»، هو ما أمكن الوصول إليه كوثائق كاملة. وثمة بحث قائم في عشرات آلاف الوثائق غير المؤرشفة بطريقة سليمة. وسننشر ما نعتقد أنه مناسب للكشف عن عقل هذه السلطة، وعن نوعية المستفيدين منها، وسنتمنع، لأسباب تخصنا، عن نشر مئات الوثائق التي تطاول الجوانب الشخصية وحتى المالية والحميمية للكثير الكثير من الذين يمكن تسميتهم «زوار السفارة».