أطرف ما يطرق أذن مواطن سيادي 24 قيراطاً اليوم نعته بالانتماء إلى «اليمين التكفيري». يكفي أن يكون هذا الإنسان السويّ ضد خيارات المقاومة الإسلامية في لبنان وتوجّهاتها لتوجّه إليه سلة تهم تبدأ من الصهينة والعمالة والتبعية وتتدرّج صعوداً إلى «اليمين التكفيري» علماً أن «التكفيري» مصطلح يطلق على المسلم الذي يتهم مسلماً آخر بالردة. فكيف تُطبق على الأرثوذكسي مثلاً؟ أو الماروني؟ يُفهم اتهام الدواعش والنصرة والقاعدة وجند الله وما إليها بأنها حركات تكفيرية. لكن كيف يكون المحازب الكتائبي أو المنتمي إلى «الوطنيين الأحرار» أو المنضوي في «حزب القوات» أو المناصر لـ»حركة الإستقلال» جزءاً من اليمين التكفيري؟
فأي من هذه الأحزاب اليمينية أو الشخصيات تغرف من معين المرحوم أبو حفص الهاشمي القرشي الملقّب بالـ»بروفسور» و»المدمر»، وأي منها تستلهم إيديولوجية أسامة بن لادن وأيمن الظواهري التنويرية؟
اليميني التكفيري المعنيّ بالذم والقدح على كل منصة، هو مواطن لبناني يحبّ الحياة، و»الفشلقة» صيفاً وشتاءً، هو يميني يرتاد الشواطئ والـ»نايتات» والمسارح ودور السينما ويسافر إلى أوروبا وأميركا والخليج من دون وجل، ويؤمن بالدولة الضابطة الكل، الدولة العادلة والمدنية والعصرية. إن قلبت ترتيب الكلمتين ترَ أمامك «كفّارة اليمين» التي تخصّ المحمديين حصراً وهي أعمال محمودة وردت في آية كريمة تقضي بإطعام عشرة مساكين وكسوتهم وعتق رقبة عبد أو الصيام لثلاثة أيام، أما اليمين التكفيري فمجاله واسع ويمكن لأي غبي التنظير فيه لساعات من دون إشغال عقله لدقيقة.
في زمن الحرب اللبنانية الأول أسبغ المعسكر اليساري والعروبي والإسلامي والوطني اللبناني الفلسطيني المشترك… ألخ، على اليمين اللبناني صفة الإنعزالية. الكتائب إنعزاليون. الأحرار إنعزاليون. الجبهة اللبنانية بمالكها وبستانها وحنينها إنعزالية. الرهبنة المارونية إنعزالية. الروم نص على نص! نصفهم إنعزالي ونصفهم وطني. وقف الإنعزاليون ضد الانفلاش الفلسطيني وحرية العمل الفدائي ومترسوا لسنوات في غيتو إنعزالي جيش وشعب ومقاومة! يعيد الباحثون أصل الإنعزالية إلى السياسة الخارجية الأميركية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لكن «أمريكا» تخلت عن هذه السياسة بعد الحرب العالمية الثانية… بينما احتفظ اليمين، بهذه الخاصيّة، وأكرمه الكرماء حديثاً بسمة التكفير.
عندما تجتمع قلة التفكير وقلة التهذيب في شخص واحد يقول ما يشاء ساعة يشاء، ومن ذا الذي يحاسب ببغاء على كلمتي «اليمين التكفيري»؟