ليس للمسيحيين ولا للمسلمين حقوق الا في اطار الشراكة الوطنية. وكل طرح خارج الشراكة هو في الحد الادنى اشارة الى خلل فيها، وفي الحد الأقصى بحث عن مشروع آخر للبلد. وليس للشراكة صفة وطنية ومعنى جوهري إن لم تجسد وتنظم البعد السياسي للعيش المشترك. فما يسمى العيش المشترك في ظل الانظمة العربية هو عيش مشترك بالمعنى البيولوجي، حيث وجود المسيحيين مقبول ضمن حقوق محدودة جداً، وليس مقبولا لدى التنظيمات الارهابية التكفيرية التي نموذجها داعش وما فعله من ذبح وتهجير.
وليس في الشراكة الوطنية حقوق من دون واجبات بالطبع. أبسط الواجبات التسليم بقواعد اللعبة الديمقراطية والامتناع عن تعطيلها. وأهم الواجبات بناء دولة الحق لكي نستطيع فيها الحصول على الحقوق وممارستها عبر الاحتكام الى الدستور والقوانين والعمل ضمن المؤسسات.
العماد ميشال عون يطرح مسألة الشراكة ومن ضمنها حقوق المسيحيين. وهو على حق في المطالبة بقانون انتخاب منصف واجراء انتخابات نيابية يتولى بعدها المجلس النيابي الجديد انتخاب رئيس الجمهورية. ولكن السؤال هو: هل من أجل هذا يأتي النزول الى الشارع الآن وليس أيام التمديد الأول للمجلس النيابي والعجز المقصود عن الاتفاق على قانون انتخاب؟ وهو على حق في الشكوى من الدين العام والفساد وقلّة المشاريع أو عرقلتها والمحاصصة. ولكن هل من أجل هذا يتم النزول الى الشارع؟ والى أي حدّ يستطيع التيار الوطني الحر الذي هو منذ سنوات شريك في الحكومات وصاحب أكبر كتلة مسيحية في المجلس النيابي، ان يكون في مكانين في وقت واحد: السلطة والمعارضة؟
النزول الى الشارع يبدو مرتبطاً بمطلب واضح: ان تكون الكلمة الأولى في التعيينات المخصصة لمواقع يشغلها مسيحيون هي للشريك المسيحي في السلطة وان يكون رأي الممثل الأقوى للشريك المسيحي مسموعاً ومؤثراً في قرارات مجلس الوزراء، كما هي حال الشريك السنّي والشريك الشيعي والشريك الدرزي. لكن السؤال هو: هل الأفضل هو تعميم هذا الوضع اللاصحي بحيث يمارس الشريك المسيحي القوي ما يمارسه الشركاء الآخرون الأقوياء أم أن يسود المعيار الوطني في أي تعيين وقرار؟
ومن السهل على خصوم العماد عون ان يلاحظوا خوضه معركة مطالب شخصية بشعارات كبيرة ومهمة جداً. ومن الأسهل عليه أن يرد بأن المطالب الشخصية هي لتحقيق الشعارات والأهداف الكبيرة. لكن من الصعب على الجميع تجاهل الوضع الدقيق في لبنان وسط الأوضاع الخطيرة في المنطقة. والحاجة كبيرة الى الهدوء والحوار والعمل الجدي لملء الشغور الرئاسي، بحيث نستطيع خوض المعارك السياسية بلا خوف من الوقوع في هاوية الفراغ الكامل.