فجأة استفاق رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران على المطالبة بحقوق المسيحيين والشراكة بين اللبنانيين، وبناء مشروع الدولة، وتحديد موقف جديد من سلاح حزب الله، رافضا سياسة وحدة الساحات، واستعمال لبنان منصة للقيام بهجمات على الاراضي الفلسطينية المحتلة.
لم يسبق أن شكلت هذه المطالب، اي هاجس في عهد الرئيس ميشال عون، وامساك باسيل بمقاليد السلطة، وإدارة شؤون الرئاسة بالوكالة، وانما استغلها وصادرها، لمصالحه وصفقاته السياسية والمادية، ضاربا عرض الحائط بالدستور، تحت عناوين استعادة صلاحيات رئيس الجمهورية، الى ما كانت عليه قبل الطائف، متجاهلا مشاركة بقية المسيحيين وحتى اللبنانيين، بهذه الحقوق.
لم تكن كل هذه المطالب والعناوين موضع شكوى لدى العهد وباسيل، ولاسيما مشروع بناء الدولة، وتعطيل الاصلاحات على اختلافها، متجاهلا كل الدعوات والمخاطر الناجمة عن ممارساته السلبية، وتداعياتها على البلد كله، لانه كان مطلق اليدين في التصرف السلطوي، مقابل التزامه الصمت المطبق على وضعية سلاح حزب الله،وتجاهل كل الوعود المقطوعة لطرح الاستراتيجية الدفاعية ووضعية سلاح حزب الله، كما ورد في خطاب القسم الرئاسي.
كانت كل الامور تسير على هذا المنوال، أوصل حزب الله ميشال عون للرئاسة، متجاوزا التفاهمات الثنائية الداخلية، لانتخاب سليمان فرنجية للرئاسة مع اطراف اساسيين، بالتزامن مع تسهيل اطلاق يد باسيل في تسيير امور الرئاسة، والاستئثار بالمواقع القيادية المسيحية بالدولة وتشكيل الحكومات، وتعطيل عملها متى اراد ذلك، عرقلة الاصلاحات المطلوبة، ودعمه لاقرار قانون انتخابات جديد على مقاسه، يعطيه حظوظا أكبر للفوز بالانتخابات النيابية، بعد ما فشل بالفوز بالنيابة سابقا لأكثر من مرة على اساس القانون السابق، بالتلازم مع تأييد سياسية الحزب الاقليمية والتغاضي عن ارتكاباته وتجاوزاته الداخلية، وعدم إثارة اي اشكالية حول وضعية سلاح، إلى ان بدأت العلاقات تهتز بين الحزب وباسيل، اثناء طرح مسألة تشكيل حكومة نهاية عهد عون، وعدم مجاراة الحزب بمطالب رئيس التيار الوطني الحر والاخذ بها،ما عطل تشكيل الحكومة نهائيا، واغلقت العلاقة بين الطرفين على زغل بعد مغادرة عون للرئاسة.
تفاعل الخلاف بين الحزب وباسيل على خلفية عدم مجاراة الاخير بمقاطعة جلسات حكومة تصريف الأعمال، واقرارها ملفات وتعيينات ومواضيع، خلافا لارادة وموافقة التيار الوطني الحر، إلى ان استفحل لدى تبني الحزب وحلفائه، دعم ترشيح فرنجية للرئاسة، خلافا لرغبة عون وباسيل ألذي كان يمنّي نفسه بهذه الوضعية، ويعتبر نفسه مؤهلا اكثر من رئيس تيار المردة للترشح لرئاسة الجمهورية، باعتباره رئيس كتلة نيابية مسيحية وازنة، خلافا لما يمثله فرنجية نيابيا، ومقابل ماسلفه من مواقف للحزب على مدار السنوات الماضية، بتاييد فاقع لسياساته الاقليمية بمواجهة الدول العربية والاجنبية، والتي دفع ثمنها عزلة، وفرض عقوبات اميركية عليه.
انتظر عون وباسيل اشهرا منذ عملية طوفان الأقصى، قبل ان يعلنا مواقفهما الأخيرة، لوّحا بواسطة قياديين بالتيار الوطني الحر مرارا بانهاء تحالف مارمخايل، على أمل أن يؤدي ذلك الى تبدل بمواقف الحزب من دعم ترشيح فرنجية للرئاسة، او على الاقل التفاهم مع التيار على مرشح آخر، تكون له حصة بانتخابه. لم تنفع كل هذه المناورات بتغيير موقف الحزب، بل زادته تمسكا بترشيح فرنجية اكثر من السابق، بعدما اصبح مقتنعا بعدم جدوى التحالف مع التيار، لانتفاء الحاجة لذلك، في ظل العزلة التي يعيشها سياسيا، وابتعاد بقية القوى السياسية عن التقارب او التحالف معه.
تأخر رئيس الجمهورية السابق ميشال عون ووريثه السياسي النائب جبران باسيل،بالاستفاقة على حقوق المسيحيين والمشاركة وبناء مشروع الدولة، ولم يتردد صدى هذه المطالب والعناوين، في مشاعر ومكامن القوى السياسية عموما، لفقدان الثقة بسلوكيات وسياسات التيار طوال السنوات الماضية، وانقلابه على كل التفاهمات والاتفاقات المعقودة معه، والتي فرط فيها،بدءا بتملصه من الاتفاق مع الرئيس سعد الحريري، وقبله تفاهم معراب.
ولذلك بقيت مفاعيل اعلاء مواقف التيار من حزب الله تحت غطاء المطالب والهواجس المسيحية، وسلاح الحزب بالمواجهة مع إسرائيل، محدودة التأثير، وليست فاعلة كما كانت خلال التوقيع على اتفاق مار مخايل.