تمّ تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة مرة جديدة. ومهما تعدّدت الاجتهادات بشأن ذلك، يبقى أن السبب الأهم هو تنفيذ المطلوب حتى نصل إلى “أواخر الوضع” القاضي بسحب الناس من الساحات. ليس بالصبر مع تمنيات بضبط النفس حيال المطالب المحقة للعاجزين عن ضبط النفس قبل غيرهم، ولكن وفق سيناريو متدرج ومتصاعد وصل إلى تفخيخ الشارع والقوى الأمنية وتوزيع المندسين، بين الذين نزلوا بشعارات تتعلق بقضايا مطلبية واجتماعية ومالية واقتصادية وسياسية داخلية.
بداية، لدينا “المشروع الأميركي الفاشل في السياسات الخارجية بسبب التقديرات المبنية على معلومات خاطئة ومضللة، من عملاء وأدوات وأصدقاء”، نزلوا الى ساحات الثورة ليساهموا في المؤامرة على سلاح المقاومة والتطبيع مع إسرائيل. بالتالي يجوز شرعاً هدر دمهم.
كذلك لدينا “قطّاع الطرق والشتّامون الذين يخلقون حالة استفزاز كبيرة جداً على المستوى الشعبي، ويتسببون ببعض حالات الانفعال والغضب خارج السيطرة”.
ووفق التسلسل المنطقي للسيناريو المتوقع لمن يحسب ان الروزنامة لم تقطع تاريخ 17 تشرين الأول، كان لا بد من الاستعانة بمجموعات من المناطق، نزلت الى ساحات بيروت بمواجهة “الصابرين” وردت على “انفعالاتهم العفوية” بخطاب طائفي حاد، لا علاقة له بما حرص المتظاهرون منذ اليوم الأول على تكريسه، إن لجهة سلمية التظاهر أو لجهة وضع الطبقة السياسية بكل أطيافها في سلة واحدة. لنفاجأ بعبارات تعيدنا الى ما كنا نسمعه بعد يوم 7 أيار المجيد، الذي نذكر وتذكرون. والاسوأ، مع تسامح فجائي لنقل البذاءة الموجهة واللكمات المتبادلة بغية تأجيج الفتنة.
فما حدث خلال اليومين الماضيين من توسيع لرقعة العنف، بحيث تتجاوز الرينغ الى خيم الاعتصام لحرقها بحجة العمالة او بحجة شتم الرئيس المفدى والأزلي، ما يستوجب ردود فعل بخطاب مماثل لكن من الخندق الآخر، مع مواقف ملتبسة للقوى الأمنية على وزن “يكاد المريب أن يقول خذوني”.
وكل هذه التطورات لا تعني بالطبع أن مطلوب السلطة فرض الإستقرار لتنصرف الى إنقاذ البلاد، مع إيحاءات بالاقتراب من الحل الذي لاحت بواكيره مع تأجيل الاستشارات في اللحظة الأخيرة وبطلب ممن يصرون على انه العقدة وليس المنقذ.
ما حدث يؤكد أن الشغل ماشي لتحويل الثورة الى فتنة طائفية وفوضى أمنية، بخبث وإصرار على ان تأتي خواتيم هذا الشغل بما يرضي الطبقة السياسية، المتهادنة حيناً والمتنابذة حيناً آخر، والمتكافلة منذ اللحظة الأولى لـ17 تشرين الأول للقضاء على الأصوات التي لا يرون لها دوراً، إلا في صناديق الاقتراع تجدد البيعة لهذه الطبقة.
لذا كان مشهد ليل الاحد/الاثنين النابض بدلالات تقود الى “أواخر الوضع”، كما يريده مهندس هذا الوضع.
لذا لم تنفع محاولات الثوار إلقاء القبض على المندسين وتسليمهم الى القوى الأمنية. ذلك ان المطلوب عكس ذلك، والا لما جاءت الأوامر لهولاء المندسين العفويين بالتحرك سريعاً واختراق الناس والقوى الأمنية على حد سواء، ليعجل المولى “عزّ وجل” بظهور “أواخر الوضع” غير المرتبط عضوياً باستشارات ملزمة، للوقوف على خاطر نواب أمة لا تعترف بمواطني جمهورية 17 تشرين الأول.