Site icon IMLebanon

“حمّى” الانتخابات تُجمّد الإصلاحات والبديل السريع… مشاريع إغاثيّة

 

المحروقات تخلق موجة هائلة من ارتفاع أسعار مختلف السلع والخدمات والمواطنون من العوز يئنّون

 

لم يكن رفع الدعم عن المحروقات وتحرير الأسعار إلا مسألة وقت. والارتفاعات المتتالية التي توجت البارحة بسعر قياسي جديد كانت ستحصل في الغد حتماً في ما لو استمرت “حفلة” الانكار. فالمشكلة ليست بتسعير المحروقات بسعرها الحقيقي على غرار مختلف السلع والخدمات، إنما في انعدام الاصلاح الاقتصادي، وعدم تأمين البدائل العادلة والمنطقية للمواطنين.

 

غني عن القول ان المواطن لم يكن ليشعر بثقل هذه الارتفاعات لو لم تكن هناك حاجة لمولدات الاشتراك الخاصة كبديل عن الكهرباء العامة. وكانت وطأتها لتكون أقل لو أن الدولة طورت قطاع النقل العام المشترك بدلاً من الاعتماد المفرط على النقل الخاص. ولم تكن أسعار الخبز والسلع الحياتية الأساسية لتصبح خارج متناول فئة كبيرة من المواطنين لو أن الدولة باشرت باعطاء البطاقة التمويلية. أما وقد انعدمت كل الحلول البديلة، فان وصول سعر صفيحة البنزين إلى 302700 ليرة والمازوت إلى 270700 ليرة سيحرك “تسونامي” ارتفاع الاسعار. وستغرق المزيد من الفئات الهشة تحت انقاض انعدام الأمن الغذائي. وهذه الفئة المقدرة في شهر آب الفائت بـ 22 في المئة من اللبنانيين من قبل “برنامج الاغذية العالمي”، قد تصل إلى 40 في المئة في وقت ليس ببعيد.

 

“تسونامي” الاسعار

 

يُقدّر مع هذا المستوى من أسعار المحروقات أن ترتفع كلفة الكيلومتر الواحد للانتقال بالسيارات الخاصة والعمومية من نحو “1,927 ليرة لبنانية”، بحسب الدولية للمعلومات، إلى حدود 2500 ليرة. ما يعني أن كلفة الانتقال من بيروت إلى جونية ذهاباً وإياباً ستصل إلى 125 ألف ليرة. سعر الكيلوواط ساعة لاشتراك المولد سيقفز “فوق 6000 ليرة، إذ إن طن المازوت يباع بـ 730 دولاراً في السوق وليس 640 دولاراً كما تسعره الطاقة”، بحسب رئيس تجمع أصحاب المولدات الخاصة عبدو سعادة. يعني أن متوسط الاشتراك الشهري المقدر بـ 150 كيلوواط ستفوق كلفته المليون ليرة. أما بالنسبة للمقطوعة فان الكلفة ستتخطى 2.5 إلى 3 ملايين ليرة لكل 5 أمبير. سعر ربطة الخبز سيزيد بمقدار 500 ليرة على أقل تقدير، وسيرتفع سعر الربطة إلى ما بين 7500 ليرة إلى 8000 ليرة. وعليه فان موظفاً يقطن في جونية ويعمل في بيروت يحتاج شهرياً إلى 4.5 ملايين ليرة فقط لكي ينير بيته، ينتقل إلى عمله، ويأكل الخبز الحاف.

 

الانتخابات تتقدم على الاصلاحات

 

الباحث في الشؤون الماليّة والاقتصاديّة البروفسور مارون خاطر يرى أنَّ “هذا الواقع المأسوي المترافق مع “تسخين” سياسي غير مسبوق، وهو أحد عوارض “حُمَّى” الانتخابات النيابية المُقَدَّمة الأجل رغم “العواصف والطقوس”. وهذا التسخين “يبرّد” كل الحلول الاقتصادية والاجتماعية؛ إن لم نقل يجمّدها. فالاهتمام بتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي بدأ يفقد زخمه مع تحوُّل اهتمام الحكومة وجزء من المجتمع الدولي بإجراء الإنتخابات والإعداد لها. في سياق متَّصل، يعتبر البروفسور خاطر أنه “لم يَعُد خفيّاً على أحد أن العنوان العام للمرحلة المقبلة بات انتخابياً بامتياز، مع تراجع مريب للعناوين الاصلاحية وحتى الحياتيَّة. حيث يتصدَّر موضوع الانتخابات النيابية قائمة تصاريح رئيس الحكومة وأعضائها. في هذا الوقت، يبدو أن الانطلاقة الجدّية للتفاوض مع صندوق النقد الدولي مؤجلة أقلّه حتى نهاية العام بحسب القيمين على الصندوق نفسه. ومن ناحية أخرى، يشير البروفسور خاطر الى أن “القراءة الواقعيَّة لسياق الاحداث تُظهر أن الفترة التي تفصلنا عن الانتخابات النيابية القادمة كما الفترة الفاصلة بين الانتخابات النيابيَّة والانتخابات الرئاسية، لن تؤمِّن اجواء مؤاتية لإقرار إصلاحات بنيويَّة وجذريّة قد تَنتج عن التفاوض الموعود مع الصندوق”. فالواقع الانتخابي المُثقل بالتوترات السياسية وتفاقم الاوضاع الاقتصادية وازدياد انعدام الثقة للحكومة بالذهاب بعيداً في تنفيذ أي خطة إصلاحيَّة، وإن أقرت، إلا أن الأمل في الإقرار وفي رسم خريطة الطريق للتنفيذ يُبقي الباب على الحلّ مفتوحاً وإن كان مؤجلاً.

 

مشاريع إغاثية

 

في هذا الإطار، يُبدي خاطر خشيته من أن تتحوَّل المشاريع التنمويّة كالنقل المشترك أو حتى الإجتماعيَّة كالبطاقة التمويليَّة، والتي تعتزم الحكومة تنفيذها بتمويل خارجي، الى سلع إنتخابيّة أو زبائنية خدمة للفساد المتجذِّر. إنطلاقاً مما تقدَّم يقترح البروفسور خاطر أن تسعى الحكومة الى إطلاق سلسلة مشاريع “إغاثيَّة” بتمويل أمميّ أو عربي، توازياً مع إنطلاق المفاوضات ذات المفاعيل المؤجّلة مع صندوق النقد. من شأن هذه المشاريع أن تؤمن مساعدات عينيَّة تُبعد الإنزلاق أكثر فأكثر نحو المحظور الذي بات واقعاً، بانتظار مرور الانتخابات وبدء البناء على مفاعيلها وعلى نتائجها.

 

زيادة الرواتب ليست حلاً بالتأكيد

 

إنعدام القدرة على تقديم الخدمات والبدائل العادلة التي تحمي المواطنين من نتائج وانعكاسات الانهيار، وارتفاع الاسعار، ولا سيما أسعار المحروقات، سيشكلان مدخلاً للمطالبة بزيادة الرواتب والأجور. إلا أنه وبحسب النظريات والوقائع الاقتصادية فان “أي زيادة للرواتب والأجور، وإن كانت مُستَحَقَّة بسبب الزيادة الجنونية في الأسعار، ستنعكس بشكل سلبي إن لم نقل كارثي على المستفيدين والاقتصاد”، يشدد خاطر. “ففي ظل تحقيق الاقتصاد نمواً سلبياً (يقدر لهذا العام بحدود -10.5 في المئة من قبل البنك الدولي)، ومع التقلبات التي يشهدها سعر الصرف فان أي زيادة ستكون عرضة للتآكل في وقت قياسي. كما أنه لا يمكن احتساب حجم الزيادة في الرواتب والاجور في ظل سعر صرف تتبدل قيمته بين 10 و15 في المئة في اليوم الواحد، بما يعكس أهداف من يتحكَّمون به؛ لا بل من يسخِّرونه، من أجل تسخين الشارع اقتصادياً، سياسياً ونقدياً تارةً، ولجني الأرباح على حساب الناس وأموالهم تارةً اخرى”.

 

من استعادة العافية الاقتصادية والنهوض بالاقتصاد وإصلاح القطاع المصرفي وإرجاع لبنان سويسرا الشرق… إلى تدارك الموت من الجوع، بهذه البساطة حوّرت المنظومة طموح اللبنانيين. فمن باستطاعته العمل في الخارج لن يفكر مرتين في ترك البلد، ومن يبقى سيعيش على المساعدات إلى أمد ليس بقصير.