معركة تحرير تكريت مركز صلاح الدين من داعش كانت قراراً ايرانياً في اطار التنافس والتفاهم الضمني بين أميركا وايران في العراق. لكن المعركة التي حققت نجاحاً في البداية توقفت، لأسباب عسكرية، قبل بلوغ الهدف النهائي. وعندما طالب قائد عمليات المنطقة في الجيش بدعم جوي من التحالف الدولي جاءه جوابان: واحد من واشنطن مفاده ان بغداد لم تطلب رسمياً الدعم بناء على رغبة ايرانية. وآخر من قادة الحشد الشعبي الشيعي على أرض المعركة خلاصته: لسنا في حاجة الى أميركا ودعمها، يكفينا الجنرال قاسم سليماني.
وهذا ما أخذ السجال الى ما كان مسكوتاً عنه بسبب الحسابات المتعلقة بمفاوضات الاتفاق النهائي على الملف النووي بين ايران ومجموعة ٥١. فما ركّزت عليه آلة الدعاية الايرانية في اتهام أميركا هو التدرج من القول انها ليست جادة في الحرب على داعش الى القول انها ليست قادرة على انهاء داعش، ولو رغبت. فضلاً عن تسليط الأضواء على موقف تقليدي في المنطقة، وهو ان قيام قوات أميركية وأوروبية بحرب على أراضي المسلمين حتى ضد ارهابيين تكفيريين، يدفع الى تعاطف مع هؤلاء ضد القوى الأجنبية الغازية.
وما ركزت عليه آلة الدعاية الأميركية هو التحرّك من الصورة الى التفاصيل. ففي الصورة الشاملة اعتراف بأن الغارات الجوية على مواقع داعش غير كافية من دون قوات برية عراقية. والقوات تحتاج الى تدريب واعادة تسليح، والأهم من ذلك الى توازن وطني في السلطة عبر انخراط السنة العملي بعد التهميش والاقصاء أيام نوري المالكي. وفي التفاصيل ان محاربة داعش بقوات مذهبية شيعية تقوي التنظيم الارهابي في بيئات محددة.
فضلاً عن ان الجنرال ديفيد بيتريوس الذي أضعف تنظيم القاعدة في العراق عبر التسليح والتدريب والدعم لقوات الصحوات العشائرية السنية، قال مؤخراً في حديث مع الواشنطن بوست ان خطر الميليشيات الشيعية أكبر من خطر داعش. لا بل حذّر من ان تصبح الميليشيات أقوى من الجيش كما هي حال حزب الله في لبنان. ولم يكتم القول ان مشروع داعش مرحلي موقت والمشروع الايراني دائم.
ومن السهل تبادل الاتهامات بين طهران ودمشق من جهة وأميركا وحلفائها العرب من جهة أخرى، حول المسؤولية عن صنع داعش. لكن من الصعب تجاهل الواقع، وهو ان القضاء على داعش قد يستغرق ما يتجاوز السنوات الثلاث التي حددها الرئيس باراك أوباما في ما سمي استراتيجية أميركية. والسبب ليس فقط حسابات أميركا بل أيضاً حسابات الأنظمة التي توظف داعش بدل ان تحاربه جدياً.
فلا شيء يقوّي جاذبية داعش أكثر من قتاله بمشروع مذهبي. ولا معنى للحرب على داعش إلاّ ضمن مشروع وطني ديمقراطي.