أما وأنّ «الربيع العربي»، بكلّ زعاماته وإطاراته السياسية والقومية، قد حلّ علينا ضيفا ملتهبا لبضع من السنوات، ومن ثمّ حملته أجنحة غريبة عجيبة إلى أجواء غاية في البعد عن دوافعه ومسبّباته، ونقلته، ونقلت أبناء هذه المنطقة المتفجرة معه إلى وقائع أشدّ لهبا وتفجرّاً، توطئة لتركيبة جديدة للمنطقة، لعل أبرز ما أسفرت عنه من طلائع ومواجع، جملة من الإهتزازات التي لبثت تعبث بكيانات الشرق العربي وتهزّه في مواقعه الحسّاسة، مما أدّى إلى خراب ودمار طاول عددا من بلدانه، لينبت لنا من خلال الرياح الأميركية التي عصفت في أرجائنا ومناطقنا ومدننا وقرانا، ما أطلق عليه الرئيس الأميركي القادم إلى بلاده وإلى العالم بأسره، من أوساط اليمين الأميركي المتطرّف، الممزوج بالتشبع بالمعتقدات والآراء والتطلعات الصهيونية المتطرفة والمتناسقة مع ترّهات بعضِ المسيحيين الأميركيين المتطرفين، تجرّهم بعض عقائدهم المدسوسة إلى مشروع ترامب المسمى بصفقة القرن، وما تمثله في دوافعها الحقيقية من صفعة كبرى للقضية الفلسطينية وللأمة العربية جمعاء.
وها هو قانون قيصر، يصل إلى المنطقة ويطبق على أنفاسها ويأخذ في طريقه وبأخطاره… لبنان، أرضا وشعبا ومؤسسات. ومن ضمن ما تطاوله التحديات الأميركية المستجدة على لبنان ومصالحه واستقراره، علاقة الولايات المتحدة، وبالتحديد، رئيسها ترامب، بحزب الله المنطلق من إيران، والممسك بالمقاليد اللبنانية العملانية جمعيا، بحيث أطبقت أياديه المتخمة بالسلاح والإحساس المتفجر بفائض القوة، وتمكن من تكوين صيغة للحكم والتحكم تمثلت بحكومة جديدة عتيدة قيل إنها حكومة تكنوقراط، وتبين أنها حكومة حزب الله كما بات معروفا في كل الأوساط المحلية والإقليمية والدولية. أسلفنا بكل ذلك، ولبنان في مرحلة بالغة التدهور والخطورة، لم يسبق له أن مرّ بها على مدى تاريخه كلِهّ، فأمسك بخيوطها المهتزة دونما تستّر تجاه ما رافقها من أهوال جائحة الكورونا التي طاولت العالم بأسره، وقست على لبنان في ضمن ما قست به على واقع واستقرار واقتصاد العالم بأسره الأمر الذي زاد أوضاع البلاد تعقيدا وهولا.
ونعود إلى أوضاعنا المالية والإقتصادية التي أدخلتنا إلى أحوال مأساوية بتنا نعاني من خلال هذه الأيام الملتهبة، من أقسى أنواع المعاناة الحياتية والمعيشية والغرق في وحول البطالة والجوع وانسداد الآفاق ونوافذ الأمل بغد يطلع علينا وعلى أبنائنا، ومعه ما يكفي من الطعام لأبنائنا، وما يحفظ لهم نعمة الإستمرار في تلقي العلم ولو بحد أدنى من المستويات، ويفتح في وجوههم أبواب مستقبل معقول ومقبول.
نعود والحكومة الحالية تتخبط في محاولاتها لإيجاد الحلول لمأساة البلاد ومواطنيها وهي تزعم بأنها قد عالجت 97% من القضايا والمشاكل وهي في الواقع ما زالت تلقي بها خلف ظهرها وتعطل بتجاهلها لحقيقة الأوضاع الصعبة والملتهبة، إمكانية الوصول إلى إيجاد حل ما يعيدنا إلى مسالك الحياة الطبيعية. الأزمة في خضم مصاعب متزايدة والمسؤولون لدينا على كل المستويات، يتنكرون لحقيقة الأسباب الموجعة ولدوافع الألم الحقيقي، ويحملوننا بكل تهور إلى مزالق حياتية أشد بؤسا ويأسا.
أحد المسؤولين الأكارم، لا يريد أن يسمع بأن وضعية الكهرباء تحتاج إلى معالجة وإصلاح ويلقي بنا جميعا في متاهات البحث المستحيل عن الأسباب الخفية الكامنة وراء وضعيتها المهترئة والتي تشكل أكلافها وإلزاماتها ما يكاد أن يطاول قيمة نصف الديون الطائلة المترتبة على الخزينة اللبنانية والتي تراكمت جميعها من خلال مسؤولية عدد من الوزراء الداخلين في إطارات التيار الوطني الحرّ. عبثا حاول المحاولون الدفع باصلاح وضع الكهرباء وأمثالها من الأحوال الشاذة ووضعها على الطريق الصحيح البعيد عن المآخذ والمسارب، وفي طليعة الداعين الكثر إلى إصلاح هذا الوضع، الرئيس بري الذي لم يكف يوما عن المطالبة بأبعاد الكهرباء وسيرتها المتراكمة في عهود وزراء التيار، وبالرغم من أن هذا الوضع الشاذ يأتي في طليعة المطالب الإصلاحية لصندوق النقد الدولي الذي تعول عليه حكومة الرئيس دياب في ما تدخله في نسبة ال 97% من «إنجازاتها» التي لم تبدأ بعد بخطواتها الأولى. وعليه، وأمام الأبواب الموجودة في الإتجاهات الإصلاحية، كانت الدعوة إلى لقاء موسع ينعقد في القصر الجمهوري بما يشبه المؤتمر الشامل لتدارس أوضاع البلاد المتعثرة وخطورة ما انزلتنا إليه في المهاوي السحيقة وصولا في أخطارها إلى حدود الإفلاس العام والبطالة شبه الشاملة ومخاطر مجاعة شاملة تلوح ملامحها في آفاق قريبة، وصولا إلى احتمالات فلتان أمني واسع الأفق، متعدد الأخطار .
وبعد: ما زال التباعد والتناقش ما بين المسؤولين يتفاقم ويتعاظم بلا حدود غير عابىء بسوء الأوضاع وأهوال المخاطر المقبلة. ونتساءل: ماذا ينتظر المسؤولون ليعوا إلى أي منقلب يدهورون الوطن وأهله؟
المعارضون: ممتنعون عن الحضور، والموالون بمن فيهم الحكومة العتيدة، مرتبطون بولائهم إلى الحزب الحاكم والمتحكم، والبلد يغرق… يغرق… يغرق… لا همّ… فالمليارات أصبحت في جيوب من نهبوها، والباقي المفزع… «تفاصيل»، أصبحت مختبئة في بنوك الخارج.