Site icon IMLebanon

مخاطر وفرص التعاون مع إيران أوروبياً

 

قبل ثلاثة اشهر وفي الذكرى السنوية الثانية للاتفاق النووي بين ايران ومجموعة الدول الست، صدّق الرئيس ترامب، وان على مضض، الاتفاقية.

يريد الرئيس الاميركي الذهاب بالامور الى أبعد من ذلك، وأبدى رغبته في اعادة صيغة الاتفاقية النووية مع ايران، رغم ان حلفائه وحتى اعدائه لا يرغبون في ذلك.

ويبدو ان مجموعة الدول الست، والتي تشمل الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة اضافة الى المانيا، غير راغبة في تعديل هذه الاتفاقية او اعادة صياغتها كون ايران ملتزمة بالاتفاقية وعمليات التفتيش برهنت لغاية الآن حسن النوايا الايرانية في الموضوع.

وفق الاوروبيين، فإن ترامب لا يملك سلطة الغاء الاتفاق النووي الايراني منفرداً. ودافع القادة الاوروبيون بشدة ضد قرار ترامب معتبرين هذه الخطوة بأنها قد تضعف المصداقية الاميركية وتدق اسفينا داخل التحالف الغربي، وتؤذي الى حد بعيد الجهود العالمية الرامية الى معالجة الاخطار الناجمة من امتلاك ايران وكوريا الشمالية السلاح النووي.

وحسب فريديريكا موغريني، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي، وتعليقا على كلام ترامب قالت: «ان رئيس الولايات المتحدة لديه الكثير من الصلاحيات انما ليس لديه هذه الصلاحية٠ واضافت ان ايران ملتزمة في اداء دورها في الصفقة دون تسجيل انتهاكات.

والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تدافع اوروبا وبهذا الشكل عن الاتفاق النووي الذي تمّ مع ادارة اوباما، وتحاول منع ما حدث سابقًا عندما قررت اميركا الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، وهو ايضًا اتفاق دولي تم التفاوض عليه مع اوباما.

وللتأكيد على عمق القلق الاوروبي من هذا الامر اصدرت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وايمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي «توبيخا» مشتركًا لترامب في هذا الشأن وان جاء بلفتة دبلوماسية، انما أظهر عمق قلق الدول الثلاث لخطورة هذا التحرك الاميركي تجاه ايران، سيما وان اعمال المواجهة مع كوريا الشمالية غير مستحبة بالمطلق.

كذلك حثوا البيت الابيض والكونغرس على «النظر في الآثار المترتبة على امن الولايات المتحدة وحلفائها قبل اتخاذ اي خطوات من شأنها تقويض الاتفاق النووي مع ايران. هذا الاتفاق الموقع في العام في العام ٢٠١٥ والذي دخل حيز التنفيذ في كانون الثاني ٢٠١٦ كان ثمرة سنوات من المفاوضات المضنية ويعتبره اوباما من الامور الاهم والاساسية التي حققها خلال ثماني سنوات من عهده.

في نهاية المطاف فإن التكلفة المحتملة لسقوط الصفقة تفوق الى حد بعيد المكاسب الفردية لكل دولة، وسوف تنعكس سلبًا على الجهود الاقتصادية الاوروبية والتي بدأت فور دخول الاتفاقية حيز التنفيذ. اضف الى ذلك فإنها سوف تعزّز اصوات المتشددين في المعسكرين وتزيد من عدم الثقة الايرانية في نوايا الولايات المتحدة الاميركية.

اضف الى ذلك، ما قد يتأتى عن ذلك من تصدّع في العلاقات مع حلفاء اميركا الاوروبيين والذين باتوا يشكون من مصداقية اميركا سيما كما سبق وذكرنا بعد اخلالها بالاتفاق المناخي في باريس. وقد تكون المانيا وفرنسا اكثر الدول تضررًا من اي خلل يحاول ترامب ادخاله على الاتفاق النووي.

والالمان دخلوا في اتفاقيات جديرة بالاهتمام، وقد بلغ مستوى التعاون مع الايرانيين في الفترة القصيرة التي مضت نسبًا كبيرًة. لذلك نرى اوروبا جاهدة لانقاذ العلاقات التجارية مع ايران ومليارات الدولارات من الاستثمارات التي تدفقت الى الجمهورية الاسلامية منذ رفع العقوبات الدولية المفروضة.

وكانت ايران قد تمكنت من مضاعفة صادرات النفط بعد سنوات من العزلة واستطاعت ابرام العديد من الاتفاقيات والتي قدّرت بمليارات الدولارات- منها ٤،٨ مليار دولار مع Total و ٤٠٠ مليون دولار لـ«Peugeot» و ٢٠ مليار دولار لـ«Boeing» و٢٥ مليار استرليني لـ«Airbus».

اضف الى ذلك العديد من المفاوضات، سيما مع Hemla وشل وغيرهم. و الى ذلك، فان المبادلات التجارية بين ايران والاتحاد الاوروبي تضاعفت تقريبًا لتصل الى ١٠ مليار يورو في النصف الاول من هذا العام، وفقًا لما ذكره مسؤول كبير في الاتحاد الاوروبي، بما يعني ان اعادة فرض العقوبات على طهران قد يضر بعمليات الاستثمار والتجارة التي بدأت مع الاتحاد الاوروبي، والذي يحاول الاوروبيون التصدي لها بشكل جذري.

وستكون اميركا متضررة بطبيعة الحال سيما وان صفقة الـ«Boeing» قد أمّنت فرص العمل لحوالي ١١٨٠٠٠ شخص، في سوق العمل الاميركي. كذلك المانيا التي تصدرت قائمة الدول المصدرة الى ايران، وجاءت ايطاليا في المرتبة الثانية.

وذكرت المفوضية الاوروبية انها صدّرت اكثر من ٨،٢ مليار يورو من البضائع الى ايران في عام ٢٠١٦ وان صادرات الآلات والمعدات ووسائل النقل بلغت ٣،٨ مليار دولار. كذلك بذلت جهود كبيرة من الجانب الايراني من اجل استعادة الاسواق التقليدية مثل اليونان وايطاليا منذ رفع العقوبات في كانون الثاني من العام الماضي كجزء من الاتفاقية التاريخية التي وقعت في العام ٢٠١٥.

تجاوزت العلاقات التجارية مستوى التبادل لتصل الى الاستثمار في ايران سيما من ناحية المانيا وفرنسا. ومن المفارقات ان الولايات المتحدة الاميركية التي دفعت نحو رفع العقوبات على طهران، وابرام الاتفاقية النووية وازالة العقوبات الاقتصادية، سوف تكون اقل المستفيدين من سوق ايران من الناحية الاقتصادية لا سيما مع معارضة الكونغرس.

لذلك، لن يكون للشركات الاميركية الفرص المتاحة امام الاوروبيين خصوصا من ناحية تزويد ايران بالاسلحة الحديثة ومبيعات الاسلحة الروسية الى ايران سوف تزيد. تُضاف الى قائمة المستفيدين، دول الخليج العربي والتي شهدت مؤخرًا زيادة في حجم التجارة مع طهران.

والمخاطر تكمن في كون ان الشركات تتعامل مع الحرس الثوري الايراني وبعض الكيانات التي لا تزال مدرجة على القائمة السوداء مما يمكن ان يؤدي الى التأثير على مصداقية هذه الشركات. والأهم، قد يكون هو التسرّع في التعامل مع ايران سيما اذا ما انتهكت طهران الاتفاق النووي مما يعني عقوبات جديدة على الجمهورية الاسلامية، وعندها ستواجه الشركات قرارات صعبة في شأن استثماراتها.

هذه هي الصورة الآن ولكن يبدو ان الاوروبيين يمضون في تعاطيهم الجدي مع الجمهورية الاسلامية الايرانية غير آبهين بما سيقرره ترامب، سيما وان تقييمهم للامور يجعلهم مقتنعين بأن الفرص الى جانبهم.