صور نهر النفايات التي نقلتها محطة ” cnn” وتداولتها محطات التلفزة العالمية الأخرى كظاهرة لا تصدق عن البدائية التي تضرب لبنان، ليست شيئاً جديداً بالنسبة إلى أبناء هذا البلد البائس، حيث يأكل معظم أهل السياسة ومن يحيط بهم من لحمنا ومن زبالتنا أيضاً ولا يشبعون .
منذ اللحظة الاولى التي انفجرت فيها فضيحة النفايات ودخلنا في عراضات وخزعبلات سياسية مدبرة، كان قرود السياسة يحاولون اقتسام الجبنة القذرة وراء أبواب مغلقة، وتحت مسلسل حقير من التعميات التي طالما أوحت الى الناس بأن هناك دفاتر شروط واستدراج عروض ولجان خبراء يدرسون ويقررون، ثم تبيّن المرة تلو المرة، ان ليس هناك سوى المناكفات التي كانت تجري لاقتسام ما يتوافر من عملية السرقة المنظمة وراء استغلال موضوع الزبالة.
لم يغالِ تمام سلام إطلاقاً عندما قال منذ اليوم الأول كلاماً يفترض ان يسوق الكثيرين من السياسيين والمسؤولين عن هذا الملف القذر الى القضاء والسجون، فليس قليلاً ان يقول رئيس الحكومة “لدينا زبالة سياسية”، والواقع ان هذه الزبالة لم تكن نتيجة إقفال مطمر الناعمة الذي شكل مسوغاً للقطط السياسية من حول سوكلين لكي تجني مئات الملايين من الدولارات، ثم تلقي بنفاياتها والأمراض في وجه هذا الشعب الغشيم المقتول من اليأس والقرف قبل ان يقتل من الروائح والجراثيم .
في لبنان زبالة سياسية أكثر بكثير مما فيه من زبالة منزلية، لا بل ان هذا النهر من العار والقرف، الذي تناقلت صوره وسائل إعلام العالم، باعتبار انه يشكل فضيحة غير مسبوقة حتى في مجاهل افريقيا ولا يمكن التصديق انه موجود في بلد فيه بشر وسياسيون ومسؤولون ووزراء وحكومات… هذا النهر يفترض ان يجرف الذين تسببوا في الماضي والحاضر بما وصلنا اليه الى أعماق السجون وبئس المصير!
هذا النهر، من الزبالة الذي يُغرق وطناً يفترض ان يكون جنة، في الفضيحة والعار والأمراض يفترض ان يتحوّل مقبرة لطمر كل السياسيين الذين تسببوا في الماضي والحاضر بما وصلنا إليه، في حين كانت الملايين تخرج من القمامة الى جيوب اناس في مستوى القمامة وأشنع.
الزبالة نهر والفضائح بحر، ويكفي في السياق ان يتذكّر المواطن هذا التضارب الهائل والفاضح في الأرقام التي أُعلنت في السابق تكراراً سواء للطمر أو للترحيل وليس هناك من يريد استقبال قذاراتنا، ليعرف فعلاً ما هي تلك البورصة المليونية التي يتناتشون ملايينها ويتركون البلد مكباً اسطورياً لزبالة تمتد نهراً يجعل من لبنان مزبلة العالم بامتياز، وليس هناك من يشعل ناراً في نفسه أو في شرفه إن كان بعد من شرف عندنا … نعم تجرفنا الزبالة السياسية يا دولة الرئيس!