نحو 30% من مياه الأنهار غير صالحة للسباحة و70% منها غير صالحة للري. الأسوأ، بحسب دراسة حديثة، هو أن نحو 46% من عيّنات بكتيريا الـe.coli الموجودة في مياه الأنهار اكتسبت قدرة على مقاومة عدد كبير من الأدوية المضادة للالتهابات
في الخامس من تموز الجاري، خلص تقرير للمجلس الوطني للبحوث العلمية (راجع الأخبار « الثلاثاء 6 تموز 2021 ») إلى أن ثلث الساحل اللبناني ملوّث وغير صالح للسباحة. وهي نتيجة «منطقية» لتوجيه عشرات محطات الصرف الصحي المياه المبتذلة إلى البحر مباشرةً. إلا أن الواقع أكثر خطورة، إذ أن مسؤولية هذا التلوث تقع أساساً على الأنهار التي تبيّن أن أكثر من 90% من مياهها التي تصبّ في البحر ملوّثة، وتحتوي على جراثيم اكتسبت مناعة ضد عدد من الأدوية المضادة للالتهابات.
ووثّقت ورقة بحثية لفريق من مختبر ميكروبيولوجيا الغذاء في كلية الأغذية والعلوم الزراعية في الجامعة الأميركية في بيروت، برئاسة البروفيسور في العلوم الجرثومية والغذائية عصمت قاسم (جامعة جورجيا في الولايات المتحدة)، اكتساب الجراثيم في البحر اللبناني مناعة ضدّ أدوية الالتهابات بما فيها الـ «كوليستين» (يُعرف بدواء «الملاذ الأخير») الذي يُعطى للمرضى في حال فشل المُضادات الحيوية الأخرى في علاجهم (راجع الأخبار « الثلاثاء 16 حزيران 2020»). وعليه، تخلص الدراسة إلى أن أحد أهم أسباب تلوّث الساحل اللبناني هو تلوّث الأنهار التي تصبّ فيه، وأن نسب التلوث في المياه أعلى بكثير من تقديرات المجلس الوطني للبحوث العلمية وغيره.
قاسم أوضح أن فريق البحث اطّلع على سلامة المياه في 14 نهراً (من أصل 16، ما يعني أن الدراسة شملت كل الأنهار غير الموسمية)، وتبيّن «أن 70% من العينات غير مؤهلة للريّ و30% غير مؤهلة للسباحة بسبب التلوّث بالبكتيريا البرازية. كما بيّنت فحوصات اكتساب البكتيريا مناعة ضد المُضادات الحيوية أن نسبة كبيرة من بكتيريا الـe.coli لديها القدرة على المُقاومة»، لافتاً إلى أن هذا البحث هو «الأوّل من نوعه، ويتخطّى نهر الليطاني ليشمل كل الأنهار».
جرى تقييم نوعية المياه في غالبية الأنهار بناءً على دراسة كثافة البكتيريا البرازية (fecal coliforms وEsherichia coli)، كما تمّ تقييم مدى انتشار مُقاومة المُضادات الحيوية في مياه الأنهار (حجم اكتساب بكتيريا الـe.coli في المياه «مناعة» ضد المُضادات). وقد سُحبت العينات من 14 نهراً، وتمّ عزل وتحليل 387 بكتيريا الـe.coli. وفي النتائج، تبيّن أن 96.29% من عينات المياه تحتوي على البكتيريا البرازية، و 73.48% من العينات غير صالحة للريّ (تجاوزت المعايير «المقبولة» للميكروبات) و31.81% غير قابلة لـ «الأنشطة الترفيهية» (السباحة وغيرها) بعدما تجاوزت نسبة القولونيات البرازية النسب المقبولة.
أما الأخطر في الدراسة فهو أنّ نحو 46% من عينات بكتيريا الـe.coli التي تم عزلها اكتسبت «مناعة» ضدّ عدد من المُضادات الحيوية (نحو 17 دواء مثلampicillin، cefepime، cefotaxime، cefalexin، cefixime، tetracycline والـamoxicillin ). علماً أن هذه العينات يُمكن أن تعيش لفترة طويلة في المياه، وأشارت دراسة سابقة إلى أنها قابلة للانتشار إلى المياه المحلية بسبب التيارات المائية، لذلك، ينبّه قاسم إلى أن هذه العينات في الأنهار قابلة للانتقال إلى خارج المياه اللبنانية، «فنهر العاصي مثلاً يمر بسوريا والضرر سيلحق بقية المناطق».
يرتبط تلوث البحر والأنهار في لبنان، بالدرجة الأولى، بعدم معالجة مياه الصرف الصحي، «ما يهدد صحة المواطنين بأشكال متعددة وخطيرة ويهدد البيئة وسلسلة الغذاء»، علماً أن نحو 1.2 مليار دولار أُنفقت على إقامة مشاريع الصرف الصحي من دون أن يؤدي ذلك إلى واقع سليم وصحي. ويلفت قاسم إلى أنّ نحو ٦٣ بلدة ترسل سنوياً ما يصل إلى ٤٧ مليون متر مكعب من مياه الصرف غير المعالَجة إلى الليطاني وحده.
نسب التلوث في المياه أعلى بكثير من تقديرات المجلس الوطني للبحوث العلمية
الدراسة أوصت بضرورة ضبط التعديات على مجرى الأنهار وإزالة المكبّات وتصريف فضلات الحيوانات، فضلاً عن إجبار المؤسسات على معالجة مياه صرفها. وإذ لفت إلى أهمية مراقبة نوعية المياه من أجل سلامة الري والحرص على استخدام المياه التي تحتوي على نسب أقلّ من التلوث، شدّد على ضرورة إنشاء مركز لتكرير الماء قبل استخدامه في الري. علماً أن الورقة البحثية أشارت إلى أن منابع المياه لا تزال أقل تلوّثاً و«مقبولة»، ما يحتّم تدارك الأمر خصوصاً لجهة تأثير هذا التلوّث على الصحة العامة، سواء من خلال الاحتكاك المباشر بالمياه عبر السباحة (الأمر الذي يستوجب الحذر وعدم بلع الماء أو إدخاله في الأذن والأنف والتنظيف بمياه نظيفة فوراً بعد السباحة خصوصاً للأطفال والحوامل وأصحاب المناعة الضعيفة)، أو عبر الطعام المَرويّ بمياه ملوثة ما يحتّم ضرورة تفادي الأطعمة غير المطبوخة جيداً.
قاسم لفت إلى أن الدراسة ركّزت على التلوث الجرثومي ولم تتناول التلوّث الكيميائي الذي يترافق مع التلوث بمياه الصرف، «ما يعني أن التلوث قد يكون حتى أوسع من الأرقام المذكورة»، محذّراً من «أننا نتّجه نحو كارثة صحية بيئية بامتياز ولا سيما في ظل غياب معامل تكرير مياه الصرف الصحي».
* مصدر الخرائط: الدكتور عصمت قاسم الذي قاد برنامج سلامة الغذاء في الجامعة الأميركية في بيروت، والفريق البحثي من الجامعة الذي يضمّ كلاً من الدكتور هادي جعفر والدكتور سامر خروبي إضافة إلى جومان حسن وليا داغر.