عرض حاكم البنك المركزي رياض سلامة ما لديه، وقال ان ما اضطر لإعلانه مجدداً امس، موجود في تقرير مفصّل امام رئيس الحكومة حسان دياب منذ 20آذار الفائت، ما يسمح بالاعتقاد ان التقرير نفسه وصل الى رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، وإلى أكثر من جهة، في طليعتها الطرف الأبرز في التشكيلة الحاكمة “حزب الله”.
وما كان منتظراً قاله سلامة عبر التفاصيل القانونية والأرقام: البنك المركزي يموّل الدولة لكنه ليس من يصرف، والبنك مُلزم بالتمويل لأن القانون ينص على ذلك، والقرار فيه يتخذه مجلس مركزي يضم الحاكم ونوابه الأربعة ومديري وزارتي المالية والاقتصاد، وعندما يُتخذ القرار يبلغه مفوض الحكومة الى وزارة المالية.
الحاكم يحمّل المسؤولية للسلطة السياسية بوضوح، فهي التي قررت تثبيت سعر الصرف في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة، وهي التي اقرت موازنات نوقشت في الحكومات ومجلس النواب تعتمد على تمويل البنك المركزي… والبنك المركزي كان في المقابل يلح على الإصلاحات منذ عام 2012، ولم يسفر إلحاحه عن نتيجة.
الكرة في ملعب السلطة السياسية إذاً، والسلطة المعنية الآن هي الحكومة التي عليها ان تنتقل الى مرحلة إعطاء الأجوبة عن اتهامات عكفت على توجيهها فردها سلامة بوقائع اقسى؟
ماذا يعني ان يدفع لبنان اربع مليارات دولار سنوياً ثمناً لمستوردات تذهب الى مكان آخر، وما معنى رفض المركزي انزال الدولار الى السوق خوفاً من شفطه الى جهات خارجية؟ النقطتان أثارهما سلامة فهل سنسمع إيضاحات، أم علينا ان نتوقع تصعيداً للهجوم على سلامة والمصارف كافة؟
في الواقع ان معارضات عدة تتدافع في الشارع السياسي، منها فرعُ يكتفي بالتركيز على سلامة وأقرانه، وهدفه واضح: الدفاع عن التركيبة السلطوية عموماً وركنها الاقوى “حزب الله”. ومنها فرعٌ يريد من تركيزه على سلامة إجباره على تحميل المعارضة التقليدية التي تقف خارج السلطة اليوم المسؤولية الكاملة عن الانهيار العام، وهذا ما يُفهم من سلوك دياب وجزء من حكومته، ومنها المعارضة التقليدية التي تراشق الحكومة بأسلحة شبيهة… اما معارضة “كلن يعني كلن” فمكتوب عليها استعادة شارعها الموحد تحت غطاء من نيران الاصدقاء والخصوم، لتتمكن من كشف ادوار الجميع واقتراح وفرض البدائل الضرورية والناجعة، وهذا أمرٌ دونه عبور اضطراري من “الغموض المريب” الى برِّ السلامة.
لقد أكد سلامة المؤكد. هو في النهاية نفذ قرارات سلطات سياسية فاشلة وفاسدة، ويتحمل معها المسؤولية الكاملة تجاه عموم اللبنانيين.