Site icon IMLebanon

قرار “المركزي” المنفرد متأخر مجتزأ ومشوّه

 

“سيف” رفع الدعم يسبق “عذل” البطاقة التمويلية… ويبقى المواطن هو الضحية

 

 

لم يغمض لعموم اللبنانيين جفن ليل الأول من أمس وهم يجترّون ردة فعل حاكم مصرف لبنان المسائية على الإجتماع الصباحي في بعبدا. بسطرين قرر “موظف” في الجمهورية تفجير “قنبلة” رفع الدعم من دون العودة إلى السلطة التنفيذية. فبغض النظر عن غياب الأخيرة عن الوعي وتفويضها مصرف لبنان ملف الدعم منذ البداية، فان أخذ قرار بهذا الحجم ليس مسؤولية “المركزي”، خاصة في ظل عدم تأمين البدائل بعد.

 

المشكلة بقرارات السلطة على مختلف تلاوينها لا تقتصر على كونها خاطئة معظم الأوقات، إنما يُراد منها باطل حتى عندما تكون محقة. فقرار “المركزي” بوقف تمويل السلع الذي لم يعد من مفر منه، لم يأت بحسب متابعين بـ”هدف حماية التوظيفات وتحفيز الانتقال إلى دعم المواطنين بدل السلع، إنما نتيجة واحد من الأسباب التالية، أو كلها مجتمعة، وهي: ردة فعل على تخييره بين الإستمرار في الدعم أو رفعه كلياً من قبل وزير الطاقة. مهرب من عدم الإعتراف المباشر بعدم امتلاكه عملة صعبة يدعي أنها أصبحت محصورة بالتوظيفات الإلزامية. لاجبار السلطة السياسية على إعطائه صك براءة عن مسه بالإحتياطي طيلة الفترة الماضية، بدليل تأكيده في رده على رد الحكومة أن “المساس بهذه التوظيفات يتطلب تدخلاً تشريعياً”. لتجنيب صديقه رئيس الحكومة المكلف “كأس” رفع الدعم المر، و”تجريعه” للحكومة الحالية المستقيلة في حال تشكلت الحكومة… في جميع الأحوال، المُراد من قرار رفع الدعم في هذه الظروف باطل على عكس ما كان يطمح إليه اللبنانيون. وعلى غرار موقف “المركزي” من بعد قرار مجلس شورى الدولة بوقف تنفيذ التعميم 151، سارعت السلطة السياسية للملمة قرار وقف الدعم بشتى الوسائل لخوفها من فلتان الشارع وتأجيل الانفجار لمزيد من الأيام. والخوف أن يعود الدعم ويدخل من “شباك” سعر صرف جديد مشوّه بعدما خرج من بوابة سعر صرف السوق.

 

عنف ردة الفعل

 

ردود الفعل على قرار “المركزي” كانت عنيفة. الشركات المستوردة للنفط أقفلت أبوابها يوم أمس بانتظار إنتهاء الجمارك من تكييل المخزون المقدر بـ 72 مليون ليتر واعادة فوترته على أساس السعر الجديد. وذلك كما حصل عند ترشيد الدعم من 1500 ليرة إلى 3900 ليرة قبل فترة قصيرة. المحطات استمرت في إقفال أبوابها ومن فتح منها سجل رقماً قياسياً جديداً بأعداد السيارات التي اصطفت للتزود بالبنزين قبل ارتفاع الأسعار. وبحسب عضو نقابة أصحاب المحطات جورج البراكس فان “المباغتة برفع الدعم بهذا الشكل، شكل مفاجأة. خصوصاً أننا طالبنا مراراً وتكراراً باعتماد الرفع التدريجي، واعطاء دعم مادي مسبق للمواطن في حال إقرار رفع الدعم عن المحروقات”.

 

القطاع الصناعي

 

ارتفاع سعر المازوت بشكل خاص والمحروقات بشكل عام، سينعكس “ارتفاعاً بأسعار المنتجات الصناعية الوطنية بين 5 و20 في المئة. وسيؤثر على حصة الصناعة الوطنية في السوق المحلية، بعدما ارتفعت إلى 75 في المئة، وعلى قدرتها التنافسية في الخارج”، بحسب نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش. “ذلك أن المحروقات تشكل ما لا يقل عن 5 في المئة من كلفة الإنتاج الصناعي، وتصل إلى 40 في المئة في معامل الطاقة المكثفة والتغليف”. التأثير السلبي لتحرير الأسعار لن ينحصر بحسب بكداش بـ”كلفة المازوت المباشرة التي تتحملها المعامل بسبب غياب التغذية بالتيار الكهربائي، إنما بارتفاع كلفة التغليف للمنتجات المصنعة من بلاستيك وورق وكرتون وزجاج… وغيرها من الصناعات الوسيطة التي تشكل الطاقة 40 في المئة من كلفة إنتاجها. وأيضاً سيؤثر ارتفاع أسعار البنزين على زيادة بدل النقل للموظفين”.

 

 

 

وعن مبادرة مجموعة من الصناعيين لاستيراد المازوت بشكل مباشر وبالسعر العالمي، حتى قبل اتخاذ القرار برفع الدعم، اعتبر بكداش ان “هناك نحو مئة صناعي اضطروا إلى التعاقد عبر الجمعية مع شركتين نفطيتين لتأمين المازوت ابتداء من يوم الثلثاء القادم ولمدة شهر. فالطن الواصل بـ 600 دولار أو 13 مليون ليرة تدفع نقداً قبل الشراء، كان الصناعي يضطر إلى شرائه من السوق السوداء قبل أسبوع بين 15 و20 مليون ليرة. الأمر الذي يجعل من الإستيراد المباشر أوفر”.

 

 

 

وبحسب بكداش فان “هذا الإجراء يعود لسبب من ثلاثة: إما لالتزام المصنع بتسليم طلبيات في وقت محدد، وإما لاستعمال المواد الأولية بدل تلفها، ولتأمين استمرار العمل وعدم إقفال المصنع”. ومن وجهة نظر بكداش فان “عودة التقنين إلى ما كان عليه سابقاً أي بمعدل 8 و12 ساعة يومياً يخفف من آثار وانعكاسات ارتفاع أسعار المحروقات بالنسبة للكثير من الصناعات، خاصة التي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة. إنما مع الانقطاع شبه الكامل للكهرباء فان أصغر مصنع يحتاج إلى نصف طن مازوت يومياً،أي ما يقارب 1500 طن سنوياً، تصل قيمتها بحسب السعر الحر غير المدعوم إلى 100 ألف دولار. وهو رقم ضخم جداً ومؤثر بشكل كبير على الكلفة والأسعار وحجم المبيعات في الداخل والخارج.

 

الإسمنت 1.4 مليون ليرة

 

وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال عماد حب الله الذي دان قرار المركزي غير المسؤول، أعطى الضوء الأخضر لتسعير الإسمنت على سعر 20 ألف ليرة بدلاً من 11 ألفاً كما جرى سابقاً. وعلى هذا الأساس سيصبح سعر طن الترابة 1.4 مليون ليرة بعد إضافة الضريبة على القيمة المضافة وكلفة النقل.

 

السرفيس 50 ألفاً

 

رئيس إتحاد نقابات السائقين وعمال النقل في لبنان مروان فياض اعتبر أن وصول سعر صفيحة البنزين إلى حدود 380 ألف ليرة سيرفع كلفة نقل الركاب إلى 50 ألف ليرة. وهو ما يعني أكثر من ضعف بدل النقل المرفوع حديثاً من 8000 ليرة إلى 24 ألف ليرة لفئة محدودة من موظفي الإدارة العامة، لا تتجاوز 30 ألف موظف من أصل 320 ألفاً.

 

الخبز إلى 7000 ليرة

 

سعر ربطة الخبز زنة 900 غرام المحدد في المتجر بـ 4000 ليرة سيتراوح مع تحرير الدعم عن المحروقات بين 7 و10 آلاف ليرة بحسب نقيب أصحاب الأفران في الشمال طارق المير. هذا في حال عدم ارتفاع سعر الصرف عن 20 الف ليرة وبقاء بقية المكونات التي تدخل في صناعة الرغيف على سعرها. وبحسب المير فان “السعر الحالي محدد على أساس 55 ألف ليرة لصفيحة المازوت وفي حال ارتفاع السعر إلى 270 ألف ليرة يكون قد ارتفع سعر المحروقات 6 أضعاف، ما يجبرنا على بيعها بـ 7 آلاف ليرة كحد أدنى. فالمازوت يشكل نحو 15 و20 في المئة من كلفة انتاج الخبز.

 

الكلفة الإستشفائية غير محددة

 

كلفة رفع الدعم عن المحروقات “لم تعد تقدّر بثمن على المستشفيات”، بحسب ما أفاد نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون وهي ستنعكس باتجاهين، الأول: على كلفة تأمين الطاقة للمستشفى. خصوصاً مع الإعتماد الكبير على المولدات في ظل انقطاع كهرباء الدولة. والثاني، على اجور العمال والأطقم الطبية والتمريضية. بحيث يصبح كامل ما يتقاضاه الموظف لا يكفيه للوصول إلى العمل. هارون الذي اعتبر ان ارتفاع سعر المحروقات سيؤثر على أسعار بقية السلع من غذاء وشراب وغيرها بنسب كبيرة، تخوف من أن يلحق رفع الدعم الأدوية وبقية المستلزمات الطبية التي ما زالت مدعومة. عندها تصبح كلفة الخدمات الطبية التي تقدمها المستشفيات خيالية بكل معنى الكلمة.

 

والتمريض على “كف عفريت” النقل

 

في إطار متصل أعلنت نقابة الممرضات والممرضين في لبنان أن أسعار المحروقات تضرب الرواتب نهائياً، ويصبح الممرضات والممرضون عاجزين عن الحضور الى مراكز عملهم للعناية بالمرضى في هذه المرحلة الصحية والإقتصادية الدقيقة والخطيرة. و”لأنّ قطاع التمريض يقارب شفير الإنهيار الكامل ناشدت نقابة الممرضات والممرضين المعنيّين في القطاع الصحي الرسمي والخاص اتّخاذ إجراءات طارئة وإستثنائية وإعطاء سلفة على بدل النقل لكل العاملين في التمريض لا تقلّ عن قيمة صفيحة بنزين أسبوعياً حسب السعر الرسمي لوزارة الطاقة”.

 

زياد بكداش الذي قال ان القطاعات الإنتاجية والخدماتية والمواطنين أصبحوا أيتاماً على حد سواء، لا من يسمعهم ويرعاهم، اعتبر أن ما وصلنا اليه اليوم هو نتيجة تخلي الحكومة منذ سنتين عن واجباتها ورميها بالمسؤولية على مصرف لبنان. فلم تكتف بسياسة دعم خاطئة منذ البداية، بل ماطلت برفعه، وإيجاد البدائل، رغم الوضوح بانه لم يعد من عملة خضراء بحوزة المركزي. والمؤسف بحسب بكداش أن “البطاقة التمويلية الموعودة لم تعد تحل الأزمة المعيشية التي تكبر مثل كرة الثلج. وكان من المفترض الركون إلى خطط رشيدة من قبل منذ بداية الأزمة.