Site icon IMLebanon

إقالة حاكم مصرف لبنان

 

نصّت المادة /18/ من قانون النقد والتسليف الصادر بالمرسوم الإشتراعي الرقم 13513/1963 تاريخ 1/8/1963، أنّ تعيين حاكم مصرف لبنان يتمّ بمرسوم يُتّخذ في مجلس الوزراء، بناءً على إقتراح وزير المال، لسّت سنوات، قابلة للتجديد لمرّات عدّة.

 

ولما كان من الثابت أنّ حاكم مصرف لبنان، يُعتبَر من موظّفي الفئة الأولى، لذلك، تعيينه بحاجة إلى موافقة ثلثّي عدد أعضاء الحكومة المحدّد في مرسوم تشكيلها، سندًا لأحكام الفقرة الخامسة من نصّ المادة /65/ من الدستور اللبناني.

 

مع الإشارة، الى أنّ المصرف المركزي وعملاً بأحكام المادة /13/ من قانون النقد والتسليف 13513/1963، شخصٌ معنوي من القانون العام، ويتمتّع بالإستقلال المالي. ولا يخضع لقواعد الإدارة وتسيير الأعمال وللرقابات التي تخضع لها مؤسسات القطاع العام، ولا تُطبّق عليه أحكام قانون التجارة المُتعلّقة بالتسجيل في سِجِلّ التجارة.

 

أمّا لجهة إقالة حاكم مصرف لبنان، وعملاً بقاعدة الموازاة في الأشكال والصِيَغ، فإنّها تحتاج بِدَوْرِها إلى موافقة ثُلثّي عدد أعضاء الحكومة المُحدّد في مرسوم تشكيلها، عملاً أيضًا بأحكام الفقرة الخامسة من نصّ المادة /65/ من الدستور.

 

والسؤال المطروح،

هل أنّ إقالة حاكم مصرف لبنان من منصبه، جائزةٌ ومُمكنة مِن قِبَل الحكومة، مُجرّد تقريرها ذلك؟.

نصّت المادة /19/ من قانون النقد والتسليف 13513/1963، أنّه وفيما عدا الإستقالة الإختيارية، لا يُمكِن إقالة الحاكم من وظيفته إلاّ لِعَجزٍ صُحيّ مُثبَت بحَسَب الأصول، أو لإخلاله بواجبات الوظيفة، أو بحجّة عدم تفرُّغه لوظيفته….كذا… أو لخطأ فادح في تسيير الأعمال.

 

بالتالي،

من الثابت، أن ليس للحاكم أي رغبة في الإستقالة الإختيارية.

ومن الثابت أيضًا، عدم توافر أي عجز صحّي لدى الحاكم، مُثبَت بِحَسَب الأصول.

ومن الثابت كذلك، تفرُّغه الكُلّي لوظيفته، وعدم إنخراطه في أيّ عضوية نيابية أو وظيفة عامة، أو أي نشاط في أي مؤسسة. ولم يتلقَ أيّ منفعة…كذا… (عملاً بأحكام المادة /20/ من قانون النقد والتسليف).

 

مما يُفيد،

أنّه لم يبقَ لإقالته إلاّ إتّهامه بالإخلال بواجباته الوظيفية، أو إرتكابه خطأ فادحاً في تسيير أعماله.

وبالعودة إلى أحكام قانون العقوبات اللبناني، الصادر في المرسوم الإشتراعي الرقم 112/1983 المُعدّل، وتحديدًا إلى أحكام الفصل الأول من الباب الثالث منه، يتبيّن جليّاً أنّ الجرائم المُخلّة بواجبات الوظيفة مُحدّدة على الشكل التالي:

• في الرّشْوة (المادة /351/ حتى /356/ عقوبات).

• في صرف النفوذ (المادة /357/ حتى /358/ عقوبات).

• في الإختلاس وإستثمار الوظيفة (المادة /359/ حتى/366/ عقوبات).

• في التعّدي على الحرّية (المادة /367/ حتى /370/ عقوبات).

• في إساءة إستعمال السُلْطة والإخلال بواجبات الوظيفة (المادة /371/ حتى /377/ عقوبات).

ولمّا كان من الثابت عدم إقتراف الحاكم أي من هذه الجرائم، يُصْبِح من الأكيد أنّ الحكومة ولو أرادت الإنقضاض على حاكم المركزي، لم يتبقَّ أمامها إلاّ إتّهامه بإرتكاب خطأ فادح في تسيير أعماله.

 

وعلى هذا الإتّهام نُجيب:

• صحيح أنّ حاكم مصرف لبنان يتحمّل مسؤولية مجاراته الحكومة في قراراتها.لكن الصحيح أيضًا، أنّ مسؤولية ما وصلنا إليه تقع بالتكافل والتضامن بين المصارف وحاكميّة مصرف لبنان والحكومات المُتعاقبة ووزراء المال تحديدًا، والمجلس النيابي كذلك، فكيف يُحاسَب حاكم مصرف لبنان مُنْفَرِدًا ؟.

• ألّم يكُن حاكم مصرف لبنان يُنفِّذ قرارات الحكومة وتوجيهاتها، ويُقْرِض الدولة من أموال المودعين ومُدّخراتهم؟.

• إنّ مُحاولة الإستفراد بحاكم مصرف لبنان لا تجوز، فالحاكم هو جزءٌ من مَنْظومةٍ سياسيّة مصرفيّة قَذِرة، سَرَقَت المواطن ونهبته، وتُطالبه اليوم بأن يتحمّل نتائج ما آلت إليه الأمور.

• إنّ المُطالبة اليوم بالتدقيق المالي في المصرف المركزي، مطالبة مُحِّقة، شرط أن تشمل كلّ الإدارات والمسؤولين، وأن لا تكون إنتقائية ومُجتزأة. مما يستوجب أن تشمل قطاعات الكهرباء والإتّصالات والجمارك والمرفأ… وسواها…. .

• إنّ المُطالبة بالإصلاح مُطالبة مُحِّقة، شرط أن تكون شاملة وغير إستنسابيّة، وأن تبتعد عن الإستهدافات السياسية أو الشخصيّة أو تصفية حسابات ضيّقة.

وفي الخِتام، أستذكر قولاً للفيلسوف «أفلاطون»:

«الشخص الصالح لا يحتاج القوانين لتُخبِره كيف يتصرّف بمسؤولية. أمّا الفاسد فسيجد دائمًا طريقةً ما للإلتفاف على القوانين».

لذلك، رِهاننا على رئيس الحكومة أن يتصرّف بمسؤولية وأن لا يعتمد الإستنسابية والإنتقائية، وأن لا يجِد المُبرِّرات للإلتفاف على الرقابة والتدقيق، والتي يجب أن تشمل كلّ الإدارات والقطاعات دون إستثناء.

 

على أمَلْ أن يكون رهاننا في محلّه، وإلاّ على الدولة السّلام.