اجواء الرياض قاتمة… وبري مُتوجّس من «بعض” الداخل الجميل يُحرّض من واشنطن… وتعيينات ترامب «مُخيفة»
لم يعد السؤال عن احتمال نجاح المحادثات حول وقف العدوان “الاسرائيلي” على لبنان من عدمه، او حول توقيت نجاح ذلك، بعدما ثبت عدم وجود محادثات بل مجرد شروط استسلام تضعها “اسرائيل” وتصادق عليها واشنطن، ويعمل على محاولة فرضها على الجانب اللبناني الرسمي، وكذلك على المقاومة من خلال التصعيد الميداني المتجه نحو المزيد من الهمجية في الاستهدافات نوعيا وجغرافيا، في اطار التفاوض تحت النيران لفرض شرط اساسي، اعاد وزير الحرب “الاسرائيلي” يسرائيل كاتس التذكير به بالامس ، عندما اعلن انه لن يكون هناك وقف للحرب في لبنان، ولن يبرم أي اتفاق دون إقرار بحق “اسرائيل” بالعمل بقوة ضد أي خرق!
هذا الشرط غير قابل للتفاوض بالنسبة للجانب اللبناني بشقيه الرسمي والمقاوم، وهو امر يعرفه جيدا المبعوث الاميركي عاموس هوكشتاين، وقد نصحه رئيس مجلس النواب نبيه بري بعدم العودة الى بيروت، اذا لم تتنازل “اسرائيل” عن هذا الشرط اللاغي لاي اتفاق محتمل.
ووفق مصادر مطلعة لم يتغير موقف بري على الرغم من انه سمع من رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي كلاما غير مطمئن، بعد عودته من الرياض ومشاركته في القمة العربية والاسلامية، فهو لمس عدم وجود حماسة عربية، او بالاحرى عجز عربي- اسلامي، عن ممارسة الضغط على واشنطن او “اسرائيل” لوقف النار في لبنان، على الرغم الكلام المتشدد في بيان القمة.
والمفارقة ان ما رشح من ميقاتي بعد عودته من العاصمة السعودية، ان ما كان يدور هناك “قاتم” ، ولا يرتبط بالحرب في لبنان وغزة، بل اشار الى ان الاجواء الطاغية هناك هي”التوجس” الكبير والتوتر لدى معظم الدول المشاركة من حقبة الرئيس دونالد ترامب، وما سيحمله للمنطقة. اي بمعنى آخر، ان كل دولة غارقة بهمها، وتتحضر لمواجهة الصعوبات المحتملة في العلاقة مع الادارة الجديدة، ولا تريد مشاكل اخرى توتر العلاقة معها!
لكن وعلى الرغم من ذلك لم تتغير مقاربة بري للموقف من هذه الحرب التي يعرف انها طويلة وقاسية، لكنه يدرك ايضا ان المعروض هو السحق ليس للبيئة الشيعية وحسب وللمقاومة، وانما للبنان الوطن والرسالة الذي يتعرض اليوم لاكبر امتحان في تاريخه الحديث، ولهذا تحتاج الامور الى الكثير من الحكمة والروية في التعامل مع الاحداث والتطورات، في ضوء عدم ادراك البعض في الداخل لخطورة المرحلة ودقتها، حتى بات بري متوجسا من «حمقى» الداخل اكثر من العدو الذي لا يخفي نواياه المكشوفة.
واذا كان رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع يرتكب «الفولات» علنا ، ويعبر ان امانيه دون «قفازات» لالغاء ما يسميه «الشيعية السياسية والاجتماعية»، تكشف اوساط ديبلوماسية عن مواكبة لبنانية للضغط على المقاومة ولبنان الرسمي في واشنطن، وتلفت الى انه على سبيل المثال لا الحصر، انتقل رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميّل من باريس إلى العاصمة الاميركية ، حيث التقى المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين، وطالبه بعدم التساهل هذه المرة بشروط وقف النار، وتحت عنوان ضرورة مراعاة مصالح لبنان الوطنية، واستعادة القرار الحر، شدد الجميل على عدم تضييع هذه الفرصة المؤاتية لنزع سلاح حزب الله، واشار الى ان انتصار الحزب هذه المرة عبر بقاء سلاح سيكون له تداعيات كارثية على القوى الاستقلالية؟!
هذه المحاولات لن تجدي نفعا، وفق مصادر مقربة من حزب الله، التي تشير الى ان الحزب غير معني باي توتر داخلي في غير مكانه، وهو مهتم بادارة المعركة في الميدان لرفد المفاوض اللبناني باوراق القوة التي يحتاجها لرفض شروط الاستسلام، ولذلك لا اهمية ابدا «للوشاة» فهم لا يملكون اي قدرة على التأثير، ولن تفهم “اسرائيل” ومعها واشنطن الا لغة القوة لاجبارهما على العودة الى الواقع، والمقاومة تدير الحرب باعتبارها طويلة الامد، وهي مستعدة لاستنزاف العدو حتى ييأس من محاولة فرض شروطه، علما ان الضغط على البئية الحاضنة من خلال تكثيف الغارات لن يغير الوقائع في الميدان، على الرغم من حالة التدمير المؤلمة. ولهذا قد تكون الايام المقبلة صعبة للغاية، لكنها ستحمل تطورا نوعيا في اداء المقاومة سيغير المعادلات على الارض.
وقد برزت معالم التصعيد المرتقب، من خلال دعوة الوزير المتطرف عميحاي إيلياهو، الى الحسم ضد حزب الله بدلًا من التوصّل إلى تسوية معه، حتى لو استدعى ذلك احتلال كل جنوب لبنان. كما دعا مستشار الأمن القومي الأسبق، الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، بضرب البنى التحتية والفوقية في لبنان كدولة. واستنكر آيلاند عدم استهداف “إسرائيل” لمطار بيروت الدولي. كذلك، انتقد آيلاند دعوة الناطق العسكري باللغة العربية أفيخاي أدرعي للسكان في الضاحية بالنزوح من المباني قبل استهدافها، كونها تقع في منطقة تصنيع أسلحة تابعة لحزب الله.
ولهذا فان الحديث في الولايات المتحدة و”إسرائيل” عن قرب توقيع اتفاق غير مباشر لوقف النار مع حزب الله، يبدو غير واقعي لأن الفجوة الكبيرة بين الأقوال والأفعال لا تزال قائمة وحتى دخول الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب إلى البيت الأبيض في مطلع العام الجديد، لم يعد موعدا موثوقا لوقف النار.
بل تتخوف مصادر ديبلوماسية اوروبية من احتمال حصول هجوم أميركي – “إسرائيلي” مشترك على إيران مع عودة ترامب إلى البيت الابيض، وقد بدأت طلائع تعييناته تشير الى وجود مناصرين لدولة الاحتلال في المناصب الحساسة، وهم معروفون بدعمهم المطلق للأنشطة الاستيطانية، والترويج للخطاب المتطرف الذي يدعو إلى فرض السيادة “الإسرائيلية” على مستوطنات الضفة والقدس المحتلة، وحثّ إدارة ترامب على الاعتراف بها أسوة بما فعل بخصوص الجولان السوري المحتل.
في الخلاصة، تبدو الامور معقدة والحرب طويلة، الا اذا حصل تطور خارج عن المألوف يعيد تبريد «الرؤوس الحامية» في “اسرائيل” والولايات المتحدة، وقد يكون من المهم لقادة الاحتلال الاستماع الى نصيحة المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل، الذي دعا الى وقف الحرب الآن، وتحدث عن خطراقتراب الشتاء، ما يزيد من صعوبة المواجهة ويعزز احتمالات غرق الجيش “الإسرائيلي” في «وحول» لبنان.