من كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق، إلى بيان «حزب الله» عن الحُكم بإعدام الشيخ نمر النمر، إلى الكلام الذي أطلقه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل حول «الاحتلال الإيراني» لسوريا، إلى الأحداث في اليمن، إلى البحرين والعراق وسوريا ولبنان، ثمّة اشتباك إيراني – سعودي واضح من المفترَض أن يعكس نفسَه على لبنان.
لا يحتاج الأمر إلى مزيد من الاستشهادات والدلائل، العلاقة بين الرياض وطهران في أسوأ أحوالها، وأضاف إليها التحالف الدولي لمحاربة «داعش» مزيداً من التعقيد، والملف الأكثر تعقيداً بين الطرفين عنوانه «محاربة الإرهاب» ومضمونه المسألة السورية وموازين القوى في هذه الحرب.
بدأ بعض النُخَب والكتّاب المحسوبون مباشرة على القصر الملكي في الرياض، يكتبون مقالات منتقدة للتحالف الدولي، مع جملة اسئلة حوله ومدى تقاطعه مع المصالح الايرانية. ولم يخفِ أحد الكتّاب السعوديين المعروفين مخاوفَه من ان تكون هذه الحرب «نقاطاً اضافية» تصبّ في مصلحة طهران ودمشق و»حزب الله»، وتسبّب مزيداً من الإحراج لدوَل الخليج المنضوية في التحالف.
هذا الحذر السعودي جرّاء «الحرب على داعش»، خصوصاً أنّ واشنطن تَعِد بحرب طويلة بدون سقف زمني. من المتوقّع ان يزداد اكثر في المرحلة المقبلة، وقد يكون لبنان ساحة لتحاولَ الرياض تحسين اوضاعها في الاقليم.
ما تطمح له الرياض جرّاء انخراطها في التحالف، حجزُ مقعدٍ على ايّ طاولة مفاوضات في المرحلة المقبلة على سوريا، وتأكيد نفوذها وحضورها في العراق.
في الشقّ السوري تخوض مواجهة على محورين، واحدة مع محور المقاومة، وأخرى مع تركيا، والمواجهة مع انقرة في سوريا اشدّ منها مع طهران، ذلك انّ «المساحة» التي من الممكن ان يتشكّل فيها نفوذ سعودي في المستقبل، هي المناطق المحاذية للحدود التركية والواقعة تحت التأثير التركي، وهذا ما سيجعل الرياض خارج موازين القوى المؤثّرة إذا لم تسارع الى الإمساك بالمزيد من الاوراق.
انطلاقاً من هذه القراءة، في وسعنا ان ننظر الى التشدد في قضية عرسال، والذي أظهره حلفاء المملكة، نظراً لارتباط ملف هذه المدينة بالواقع الميداني والعسكري في القلمون. فهذه الجبهة اصبحَت من اواخر الجبهات التي من الممكن ان تخدم النفوذ السعودي، ولذلك فإنّ الرياض المنخرطة في الأزمة السورية ستحاول قدر الإمكان الحفاظ عليها ومحاولة توسيعها لأجل توسيع دائرة النفوذ والحضور الاقليمي في الصراع العنيف مع طهران والمستتر مع انقرة.
في هذا السياق تأتي التحشيدات العسكرية على الحدود، ومحاولة المسلحين إنشاء محور حدودي بين لبنان وسوريا بوجه حزب الله. هذا المحور له وظائف ابرزُها المزيد من الضغط على الحزب لإخراجه من سوريا أو التخفيف من تأثيراته في المعركة الدائرة هناك، وإشغاله في لبنان انطلاقاً من الحدود وصولاً الى الداخل.
وليتحقق هذا السيناريو ينبغي «إزاحة الجيش» من المشهد، وإضعافه وتكبيله ومنعُه من القيام بدوره، حتى تصبح المواجهة مباشرة ًمع حزب الله، وهي مواجهة تحقّق للرياض ما تريد إظهارَه حرباً «سنّية-شيعية»، وتعطيها مزيداً من المشروعية في تصدّيها لقيادة العالم الإسلامي السنّي.
لا شيء يمنع من ان تكون الرياض في صدد الضغط للقيام بتسويات في لبنان ولاحقاً في سوريا، على غرار تسوية العراق، التي أعطت للرياض حصّتها في المشهد العراقي بوصفِها الممثل «الشرعي والوحيد» للسنّة العرب. وفي الحالتين الواقع اللبناني امام اختبارات صعبة وسياسات ضاغطة لم يعُد البلد قادراً على تحملها، خصوصاً وأنّ الجيش بات مستهدَفاً علناً.