قبل نحو اسبوع تدخل ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في اللحظات الاخيرة لافشال اتفاق ناجز بين الدول المصدرة للنفط في الدوحة «نكاية» بايران، وخرج الاعلام الغربي ليقول ان نسف الاتفاق الذي سبق لوزير النفط السعودي ان وافق عليه، يثبت ان القيادة الشابة في المملكة «تكره طهران اكثر من حبها لكسب المال». هذه الاستراتيجية السعودية تتجلى تطبيقاتها العملية على الساحة اللبنانية، فالمملكة «تكره» حزب الله اكثر بكثير من «حبها» لتيار المستقبل.الرئيس سعد الحريري الذي حاول الاسبوع الماضي «كسر الجمود» الرئاسي خلال زيارته الخاطفة للرياض، قدم شرحا مسهبا حول «محاسن» عودته رئيسا للحكومة في عهد رئاسي جديد،حتى لوكان الرئيس ميشال عون، لكنه لم ينجح في تقديم اجابات مطلوبة سعوديا حول ما يمكن لخطوة مماثلة ان تساعد في اضعاف حزب الله. باتت المعادلة السعودية واضحة، المعيار في الافراج عن الاستحقاق الرئاسي ومعه الازمة السياسية في البلاد، ليس مصلحة الحلفاء، بل الحاق الضرر بحزب الله، فهل يملك الحريري ما يقدمه في هذا السياق؟
بحسب معلومات دبلوماسية في بيروت، سمع الحريري في الرياض تساؤلات حول الاسباب الموجبة لتقديم تنازلات لحزب الله في هذه المرحلة، فالقيادة في المملكة ابلغته ان التصعيد المتدرج ضد الحزب مستمر ولن يتوقف عند الاجراءات الاعلامية والمالية والسياسية الراهنة، دائرة العقوبات ستتسع لتشمل دوائر اعلامية وسياسية تدور في «فلكه» بهدف تضييق الخناق عليه وزيادة عزلته الداخلية بعد ان تم عزله عن محيطه العربي والاسلامي، والتوجه السعودي المقبل نحو فرض اجراءات عقابية على اي مؤسسة اعلامية تبث خطابات الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله… واذا كانت اسرائيل ترى ان الحزب ازداد قوة بفعل انخراطه في الحرب السورية، فان للسعودية قراءة مختلفة تشير الى انه بات اكثر ضعفا، فواشنطن المختلفة مع المملكة على كثير من القضايا متضامنة معها في التضييق على الحزب، وتصاعد الحملة الاميركية لتجفيف مصادر تمويله في لبنان وخارجه، دليل حسي على ذلك.
لا تريد السعودية تقديم «طوق نجاة» للحزب على المستوى الداخلي، ترشيح النائب فرنجية لم يؤد الغرض منه، بعد نجاح الحزب في عدم ابتلاع «الطعم»، لم تنجح محاولة «دق اسفين» في العلاقة مع المسيحيين، لنزع الشرعية عن الحزب، السعوديون يكررون في الاونة الاخيرة السؤال نفسه على الحلفاء، هل انتخاب الجنرال عون رئيسا للجمهورية يبعده عن حزب الله او يقربه منه؟ رئيس القوات اللبنانية مع نظرية «اعطوه» الرئاسة فيتحلل من التفاهم الفوقي القائم على «حلم» الوصول الى بعبدا…. الحريري بات ميالا اكثر الى «نظرية» «الحكيم»، ولكن مشكلته مع السعوديين في «المصداقية»، هناك يدركون انه يريد العودة الى السراي الحكومي «مهما كان الثمن»، يريد حلا لازمته السياسية والمالية، ولذلك يتبنى «نظريات» دون اثباتات.
والمشكلة الاكبر ان ثمة «وشاة» على يمينه ويساره في تيار المستقبل، ينافسونه في المملكة ويرغبون في تقاسم «كعكة» السلطة معه، وهي معضلة تزيد من حالة الوهن التي يمر بها داخل تياره، كان في الماضي يعاني من «طموح» الرئيس فؤاد السنيورة المتهم «بالحفر» امامه ووراءه، اما اليوم فهو يواجه تمردا شماليا بقيادة الوزير اشرف ريفي المدعوم من «اذرع امنية» في السعودية، ويواجه «حملا» ثقيلا لم يكن يرغب به في وزارة الداخلية، يدعى نهاد المشنوق، المقرب من ولي العهد محمد بن نايف، لم يعد هو الممثل «الشرعي» والوحيد داخل تياره بالنسبة للسعوديين، وآخر الادلة حول اختلال المعايير، الجدل داخل «التيار الازرق» حول فهم وتفسير مضمون كلام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من طرابلس حول العلاقة مع الشيعة والسنة، ففيما اعتبرها البعض انها دليل قاطع على عدم امكانية الرهان على قطيعة بين حزب الله والتيار «البرتقالي»، وجد بها آخرون استدراج عروض لعقد صفقة، اذا ما ابدت الشريحة السنية تراجعا عما سماه باسيل سياسة «الاقصاء»، والاختبار يكون بانتخاب الجنرال رئيسا…
ووفقا لتلك الاوساط، فان ما تطلبه السعودية من الحريري محليا هو بمثابة تعويض عما تعجز عن تحقيقه اقليميا، فهي في «حربها» على حزب الله تريد تقليل خسارتها للمعركة الاهم ضد ايران، لم تعد طهران مركز الشرور ومحوره بالنسبة الى الغرب والشرق، موسكو فتحت عبر صفقة «اس 300» مخازن اسلحتها لطهران بعد طول تردد، تتعزز شراكتهما على الساحة السورية، اوروبا تتسابق على خطب «ود الايرانيين»، في المقابل اعاد السجال الاخير حول هجمات 11 ايلول الارهابية، والتسريبات المقصودة عشية زيارة الرئيس الاميركي الى الرياض، ترسيخ حقيقة يدركها السعوديون جيدا، وكان يحاولون طمسها، وهي ان الاميركيين لم يستطيعوا تجاوز حقيقة ان 15 من منفذي تلك الهجمات كانوا سعوديين، لا فرق بالنسبة للرأي العام الاميركي بين السعودية حكومة وشعباً وبين هؤلاء «فالوهابية»هي القاسم المشترك الذي يجمعهم.
انطلاقا من هذه المعادلة، «داعش» وليس ايران او الرئيس بشار الاسد اوحزب الله، هو اولوية الغرب في الشرق الأوسط ومهما قيل من مفردات دبلوماسية حول زيارة الرئيس اوباما الاخيرة للسعودية، فان الخلاصة الواضحة تفيد بان التوازن الذي طلبته السعودية من الولايات المتحدة بعد رفع العقوبات عن إيران لم يحصل، طهران تعزز وضعها وباتت شريكا معترفا به في مفاوضات أزمات الإقليم، وما كانت تخشاه دول الخليج حصل، اوباما جاء يطالبها بالمزيد من «العقلانية» في التعامل مع الايرانيين اي المطلوب منها أن تتنازل، وهذا يعني ان الرهان على تغيير في سياسة الاميركيين فيما تبقى من رئاسة أوباما، اصبح وراء الجميع، قالها الرئيس الاميركي صراحة بالامس انه لن يقاتل لاسقاط النظام في سوريا، وعاد ينصح السعوديين بالخروج من المازق اليمني، واشنطن لا تريد التورط في المنطقة تريد الانسحاب، لم تعد «مسايرة» الانظمة السنية على جدول اعمالها الا بالقدر الذي يحافظ عليها ويحميها من الانهيار، الانفتاح على ايران غير قابل للمناقشة، اوباما يواصل «غزله» لقادة طهران يسعى بشدة للقاء مع الرئيس حسن روحاني لتتويج ولايته بانجاز تاريخي جديد، ووفقا لتسريبات دبلوماسية موثوقة فان وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف رفض فتح اي نقاش مع نظيره الاميركي جون كيري خارج اطار الملف النووي في لقائهما الاخير، لكن المفاجئة حصلت بعد انتهاء اللقاء عندما بعث كيري «رسالة الكترونية» الى نظيره «المبتسم» يحضه فيها على تدخل اكثر «فعالية» لحل الازمة السياسية في العراق…!
هذه المعطيات الاقليمية تؤرق السعودية بشدة، الانفتاح الاعلامي لوزير الدفاع محمد بن سلمان وطرح افكاره «الغربية» استرضاء للراي العام الغربي، جزء من ازمة حكم سيكون لها ما بعدها في مرحلة ما بعد الملك سلمان، القيادة الشابة مستمرة في نهج التصعيد مع حزب الله، مصير الرئاسة الاولى والثالثة معلق على حجم الاذية التي يمكن الحاقها بحزب الله، وبغياب التفاهمات الايرانية السعودية، اذا لم تقتنع الرياض بان وصول «الجنرال» الى بعبدا سيضر بالحزب لن ترفع «الفيتو» عنه، وكلام الحريري الاخير عن استعداده للنزول الى المجلس واجراء الانتخابات «والمباركة» لعون في حال نجاحه، جزء من استدراج عروض مع «التيار البرتقالي» لم تتبلور كامل معالمه بعد…