IMLebanon

مؤتمر الرياض فرصة لليمن…

يستطيع مؤتمر الرياض أن يشكّل مخرجاً لكلّ الأطراف اليمنية، بمن في ذلك الطرف الحوثي الذي يجد نفسه في مأزق حقيقي نظراً إلى انتهاء نزهته اليمنية التي طالت أكثر مما يجب. في النهاية ليس في استطاعة شمال الشمال أن يحكم اليمن كلّه. هذا ما لم يفهمه «أنصار الله» ومن يقف خلفهم ومن بادر إلى دعم توجّههم الهادف إلى ايجاد موطئ قدم لإيران في اليمن. 

أن يحكم شمال الشمال اليمن كله، أمر لم يحصل عبر التاريخ، بما في ذلك في مرحلة ما بعد الوحدة اليمنية التي تحقّقت قبل خمسة وعشرين عاماً، وحتّى في مرحلة ما بعد فشل العودة إلى الانفصال صيف العام . لا يمكن تجاهل أن هناك بعض القوى الجنوبية التي لعبت دوراً في منع الانفصال الذي قاده وقتذاك السيّد علي سالم البيض، زعيم الحزب الاشتراكي اليمني ونائب رئيس مجلس الرئاسة الذي تشكّل بعد الوحدة. بين هذه القوى الجنوبية التي قاتلت الانفصال، كان الرئيس الانتقالي الحالي عبد ربّه منصور هادي، الذي كوفئ على موقفه بأن أصبح نائباً لرئيس الجمهورية.

بغض النظر عن الوزن السياسي والاجتماعي لعبد ربّه منصور في الجنوب وفي محافظة أبين التي جاء منها، هناك واقع لا مجال لتجاوزه. يتمثّل هذا الواقع في الحاجة إلى تحالف بين قوى متعددة، من مشارب مختلفة، لحكم اليمن. 

في عزّ جبروته، لم يستطع علي عبدالله صالح التفرّد بحكم اليمن. كان على علي عبدالله صالح طوال حكمه، الذي استمرّ ثلاثة وثلاثين عاماً، البحث في كلّ وقت عن توازنات معيّنة تأخذ في الاعتبار الوسط والجنوب ومناطق معيّنة أخرى والتركيبة القبلية للمجتمع، فضلاً عن الوزن الذي يمثّله كبار رجال الأعمال.

في كلّ الأحوال، ليس ما يشير إلى أن الحوثيين على استعداد للاعتراف بأنّهم قوة من القوى اليمنية الموجودة على الأرض وأنّ عليهم في مرحلة معيّنة القبول بهذا الواقع في حال كانوا جدّيين في الخروج من المأزق الذي وضعوا نفسهم فيه.

مهما حاول الحوثيون الهرب إلى أمام، تبيّن أنهم ليسوا سوى ميليشيا مذهبية استفادت قدر الإمكان من حال الحرمان التي عانت منها منطقتهم طوال نصف قرن. كان من حقّهم أن يثوروا على الحرمان. لم يكن من حقّهم الدخول في لعبة كبيرة مرتبطة بالمشروع التوسّعي الإيراني، خصوصاً أن ليس لديهم أي برنامج سياسي أو اقتصادي يعوّل عليه، لا لصعدة ولا للمحافظات المحيطة بها ولا للشمال اليمني ولا لليمن كلّه. الشعارات شيء وحكم الدول شيء آخر.

استفاد «انصار الله» إلى حدّ كبير من أخطاء الرئيس الانتقالي. استفادوا قبل ذلك من الانقلاب الذي نفّذه الإخوان المسلمون، بقيادة اللواء علي محسن الأحمر والشيخ حميد عبدالله الأحمر على علي عبدالله صالح بعد خطفهم ثورة الشباب اليمني.

الاستفادة من ظروف معيّنة، للتمدّد خارج صعدة، شيء وحكم اليمن شيء آخر. لا يختلف العارفون في الشأن اليمني على أن ما سهّل على الحوثيين السيطرة كلّياً على صنعاء كان رهان عبد ربّه منصور هادي على أنّ الإخوان المسلمين سيستنزفونهم في محافظة عمران بفضل اللواء الذي كان على رأسه العميد حميد القشيبي. 

لم يستنزف الإخوان الحوثيين، ولم يستنزف الحوثيون الإخوان في مرحلة ما بعد «إعادة هيكلة القوات المسلّحة» اليمنية التي استهدفت أوّل ما استهدفت في العام إضعاف علي عبدالله صالح داخل المؤسسة العسكرية. على العكس من ذلك، كان وقوف الجيش اليمني على الحياد في عمران وراء إزالة «أنصار الله» الحاجز الأكبر في الطريق إلى الاستيلاء على صنعاء تمهيداً للإعلان عن قيام نظام جديد اليمن.

يأتي مؤتمر الرياض الذي تدعو إليه المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون ليوفّر خشبة خلاص للحوثيين ولكل طرف من الأطراف اليمنية في وقت لا داعي لتكرار أن المبعوث الدولي جمال بنعمر لم يعد يمتلك أوراقاً يلعبها.

لا شك أنّ عبد ربّه منصور هادي ما زال يمثّل شرعية ما في اليمن. ولكن مما لا شك فيه أيضاً أن أيّ مؤتمر وطني يحتاج إلى أمرين. الأوّل تخلّي «أنصار الله» عن وهم «الإعلان الدستوري» الذي حلّوا بموجبه مجلس النوّاب الشرعي والذي يستندون إليه لإظهار أنّهم الدولة. كان آخر دليل سيّئ يشير إلى أنّهم يرفضون التصرّف بشكل طبيعي، أي كطرف من أطراف المعادلة اليمنية، عزلهم قائد القوات الجوية وتعيين ضابط موالٍ لهم في هذا الموقع. 

مثل هذا التصرّف لا يعكس إيجابية من أيّ نوع كان، بمقدار ما أنّه يوحي برغبة في متابعة التصعيد. يتّجه الحوثيون إلى التصعيد على الرغم من أنّه تبيّن، بما لا يقبل أي جدل، أن المواطنين في المحافظات الشمالية نفسها وفي العاصمة لا يمكن أن يقبلوا بدولة يسيطر عليها «أنصار الله»، أي ايران.

أمّا الأمر الآخر الذي يبدو مؤتمر الرياض في حاجة إليه، فهو مشاركة كلّ الأطراف اليمنية في الشمال والجنوب والوسط، خصوصاً المؤتمر الشعبي العام الذي لا يزال صاحب الأكثرية في مجلس النوّاب. فلا أحد يستطيع أن يلغي أحداً في اليمن الذي تُطرح فيه مجدداً مسألة الأحجام. وهذا يعني في طبيعة الحال الاعتراف بأنّ لا إجماع على شخصية معيّنة تعتبر ممثّلة للجنوب الذي يبقى مستقبله في غاية التعقيد، خصوصاً في ظلّ الوضع الخاص لحضرموت ذات المساحة الشاسعة من جهة والعلاقة التاريخية بين تعز في الوسط وميناء عدن، بكلّ ما يمثّله من ثقل وموقع استراتيجي من جهة أخرى.

من حسنات انتقال عبد ربّه منصور إلى عدن، رفع غطاء الشرعية عن «أنصار الله» الذين يبدون اليوم مجرّد ميليشيا مذهبية مسلّحة تصرّ على أنّها قادرة على تأسيس الدولة. ليس في استطاعة اليمن العيش على وقع هذا الحدث، حدث انتقال الشرعية إلى عدن، بعدما أدّى الهدف المطلوب منه، خصوصاً لجهة كشف طبيعة الحوثيين وطموحاتهم وافتقادهم إلى أي خبرة في إدارة شؤون محافظة، فكيف إذا كان الأمر متعلّقاً باليمن كلّه؟

سيشكل مؤتمر الرياض، الذي دعا إليه الملك سلمان بن عبدالعزيز، فرصة أخيرة أمام اليمنيين كي يجدوا صيغة جديدة لبلدهم تقيه من خطر الحروب الأهلية التي لا نهاية لها. فالسعودية مهتمّة باليمن واستقراره ولديها مصلحة في ذلك. 

هل يوفّر مجلس التعاون لدول الخليج العربية الأجواء المطلوبة التي تسمح بحوار بين أطراف يعرف كلّ منها حجمه وقوّته، أم يعمل الحوثيون بإيعاز إيراني على إفشال المؤتمر؟ الخوف كلّ الخوف أن يرفض «أنصار الله» التراجع عن «دولتهم» التي تأسست، منذ اليوم الذي دخلوا فيه صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر الماضي.

يبقى سؤال أخير، هل يوجد جناح حوثي عاقل، يزين الأمور على حقيقتها، يحول دون هذه الكارثة التي ستعود بالويلات على البلد الذي لا يبعد كثيراً عن الصومال؟