IMLebanon

الرياض… دمشق… وما بينهما

إنّها مرحلة حبس الأنفاس. هل يمنح الكونغرس تفويضاً مطلقاً للرئيس باراك أوباما حيال استراتيجيته الجديدة لمحاربة «داعش» في كلّ من العراق وسوريا، والتي تمتدّ ثلاث سنوات، أي لِما بعد انتهاء ولايته في البيت الأبيض؟ ومَن هو الشريك في هذه الاستراتيجيّة التي تقضي بتدَخّل أميركي مباشر على الأرض لحماية المدنيّين؟ وهل يريد محاربة «داعش»، أم فتح جبهات جديدة؟

إنّها مسألة أيام لمعرفة اتجاهات الريح داخل الكونغرس. ومسألة أيام لمعرفة اتجاهات الريح في شأن الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني. ومسألة أيام لمعرفة اتجاهات الريح في اليمَن. إنّها مرحلة حبس الأنفاس لاكتشاف ما سَتؤول إليه الأمور حيال ملفّات كثيرة مفتوحة.

وما بين الرياض ودمشق أيضاً هناك مرحلة حبس أنفاس. هل طُوِيت صفحة مع الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، لتُفتح أخرى مع اعتلاء الملك سلمان سدّة العرش؟ حتى الآن، لا صوتَ، ولا صورة، ولا حتى كلمة مأثورة تُقال، ومع ذلك، هناك مَن يبني على الآتي:

– سعيُ المملكة لوقف العنف في سوريا، وتأكيد وقف إطلاق النار، والحوار، وصولاً إلى حلّ.

– حسمُ خيارات المملكة ضدّ الإرهاب، وتحديداً ضد «داعش»، و»جبهة النصرة».

– مباركتُها مساعي الموفد الأممي ستيفان دو ميستورا.

– مباركتُها «موسكو -1»، وجهود الديبلوماسية الروسيّة لإنجاح الحوار.

– عودةُ السفارة السوريّة إلى الكويت، وهذه الخطوة ما كانت لتتمّ لو لم تكن هناك مشاورات مسبَقة، وتحت الطاولة بين الكويت والرياض.

ويقول ديبلوماسي متابع: «إذا كنتَ تريد معرفة ما يحدث بين الرياض وطهران ودمشق، عليك أن تعرف ما يحدث في مسقط عاصمة الأسرار، والأخبار». يضيف: «ظاهريّاً، تبدو المعركة في صنعاء. عمليّاً إنّها في دمشق، فيما الجميع يتصرّف وكأنّ التفاهم على النوَوي قد تمّ، وبدأت مرحلة تظهير الأثمان».

تدور حول دمشق معارك ثلاث، الأولى: هل يسَلّم الإيراني بدخول «المارينز» وفق استراتيجيّة أوباما، وأين موقع النظام، وتحديداً الرئيس بشّار الأسد في حال كان هناك صفقة إيرانيّة – أميركيّة في الأدراج؟ لقد بادرَ وزير الخارجية وليد المعلّم إلى تظهير الموقف قبل أيام عندما أعلنَ رفضَه أيَّ قوّات برّية على الأراضي السوريّة، فالمسألة سياديّة بامتياز.

الثانيّة : هناك مَن يتّهم أوباما بتسليمِه اليمن إلى الإيرانييّن كدفعةٍ أولى من ثمن الاتفاق – التسوية على النووي، فهل يسَلّم سوريا إلى الإيرانييّن أيضاً كدفعةٍ ثانية؟

الثالثة: إنّ القيصر الروسي موجود في دمشق، وأسطوله يتهادى في خليج طرطوس – اللاذقيّة، فهل هو شريك بما يُعَدّ في المطابخ المغلقة، أم ستكون له مواقف مغايرة؟

هناك مَن يؤكّد أنّ النظرة السعودية إلى دمشق قد تغيّرَت، خصوصاً بعد تنامي نفوذ «داعش»، و»جبهة النصرة»، لكن لم تعرف بعد حدود التغيير، وملامحه، فالمشهد لا يزال ضبابيّاً، القمّة الأميركيّة – السعوديّة لم تفضِ حتى الساعة إلى نتائج واضحة يمكن البناء عليها. الوضع في اليمن مقلِق. ينسحب الأميركي، ويقفِل سفارتَه في صنعاء، فيما يستعدّ للتدخّل في العراق وسوريا.

زارَ الرئيس فلاديمير بوتين القاهرة، وكانت السعوديّة حاضرة، يقال إنّ الرئيس المصري المشير عبد الفتّاح السيسي لم يُحِط ضيفَه بهذه الحفاوة، إلّا بعد التنسيق مع الرياض. كانت الأخيرة على عِلم بالمفاصل الرئيسة حتى التفاصيل.

كانت العاصمة السوريّة حاضرةً أيضاً، لم يأتِ بوتين إلى القاهرة على حساب دمشق، إنّها مربَط خيلِه في الشرق الأوسط، كان هدفُه إضافة مدماك كبير جديد في بناء صرح نفوذه المتنامي بعدَ انفتاحه على طهران، وزيارته الرئيس رجب الطيّب أردوغان في قصر الأبهة، واستقباله حوار «موسكو -1»، واستعداده لبناء مفاعل نووي عند الفراعنة.

إنّها مرحلة صاخبة، حبلى بالتطوّرات المثيرة، وتستدعي أكبر قدَر من حبس الأنفاس: هل يمنح الكونغرس تفويضَه؟ وهل يدقّ أوباما أبوابَ دمشق بجيشه؟ إنْ فعَلَ، فلن يكون ذلك إلّا بعد التنسيق والتفاهم مع روسيا، وإيران، والنظام… وفي هذه الحال ماذا سيكون موقف السعوديّة؟ وهل يحمل السيسي كلمة السر، ويلعب الدور الذي يُفترض أن تلعبَه مصر ما بين دمشق والرياض لجمعِ الشَمل العربي؟