لم أصدّق أنّ المملكة العربية السعودية لا تزال مشغولة باحتفالات «موسم الرياض الترفيهي» خصوصاً أنّ معرفتي بخادم الحرمين الشريفين تعود الى زمن بعيد حيث كان أميراً للرياض وصادقاً كما أعرفه عندما زار بيروت بدعوة من الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقد استقبلني مع دولته قائلاً لي: إني أعرف والدك وأنتم عائلة صحافية محترمة…
فعلاً.. لا أصدّق أنه في أيام الملك سلمان، يمكن أن يكون هناك اهتمام من الدولة السعودية بموضوع ترفيهي، خصوصاً أنّ المذبحة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزة لا تشبه أي مجزرة في التاريخ.. لا القنبلة الذرية التي أطلقها الاميركيون على اليابان (هيروشيما وناكازاكي) في الحرب العالمية الثانية، ولا المحرقة التي يتحدّث عنها الشعب اليهودي على يد المجرم أدولف هتلر أيضاً في الحرب العالمية الثانية بما يُسمّى «المحرقة» التي لا يزال الشعب اليهودي يقبض سنوياً المليارات من الحكومة الألمانية كتعويضات.
وتذكرت تاريخ آل سعود كيف تعاملوا مع الحرب بين العرب والعدو الاسرائيلي. وهنا لا بد أن نذكر بما فعله الملك فيصل رحمه الله يوم توقف عن تصدير النفط الى أوروبا وأميركا ودفع حياته ثمناً لذلك الموقف… والملك عبدالله أيضاً رحمه الله الذي رفع شعاراً عام 2002 في «قمة بيروت»: «دولة فلسطينية مقابل السلام مع اليهود».
وبالعودة الى ما يجري في الرياض، وقع في يديّ خطاب الداعية السعودي الشيخ عماد المبيّض، فقد أطلّ هذا الداعية إمام وخطيب جامع الملك عبدالعزيز بالدمام سابقاً، بڤيديو، هاجم فيه «أسبوع الرياض الترفيهي» الذي يشرف عليه المستشار تركي آل الشيخ. كما وجّه كلامه الى الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان، وجاء في حديثه:
أوجب الله عز وجل على أهل العلم بيان الحق وعدم كتمانه. فقال تعالى: {إنّ الذي يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعدِ ما بيّنه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}.
أضاف: اتقوا الله في أمر هذه البلاد، وأصلحوا ما يحدث فيها من طمس لعقيدة الاسلام، وتبديلها بهويات أخرى مغايرة.. إنّ هذه البلاد قامت على أساس العقيدة وإقامة دين الله.
وتوجّه المبيّض بكلامه الى المستشار تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه في المملكة، المسؤولة عن تنظيم حفلات وسهرات مختلطة بحضور نجوم قائلاً: «اتق الله عز وجل في شبابنا وبناتنا وفي هذا الجيل. فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «ما من عبد يسترعيه الله رعيّة يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيته إلاّ حرّم الله عليه الجنّة». وكذلك من دعا الى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً».. وختم كلامه بـ»اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد».
وأجمل المبيّض المخالفات التي حملها «أسبوع الرياض الترفيهي» من نشاط فني مكثف تتجاوز الكثير من ممنوعات الماضي، وهو انفتاح حظي بإشادات من سعوديين وغربيين.
أضاف المبيّض: غريب جداً أن نقيم أسبوعاً للترفيه وأبناء غزة مجبولون بالدم وهم يخرجون من تحت الركام أشلاء ممزقة بين أطفال ونساء وعجّز.
فليس من أخلاق الاسلام أو مروءة العرب إقامة الحفلات وغزة أشلاء، فإن لم تراعوا حرمة الدين وأحكام الاسلام فليكن في الوجه ماء حياء ونخوة عربية.
أقول -الكلام للشيخ المبيّض-: أوقفوا هذه المهزلة.. أوقفوا من يشوّهون صورة بلاد الحرمين ويَحْرِفون البوصلة.. إنّه بلد مهبط الوحي والصحابة.
ألم تعودوا تكترثون بقتل الأطفال والنساء والشيوخ بل وصل الأمر بكم الى الإصغاء للمشاهير من الغربيين.
كان يجب عليكم أن تتضامنوا ولو بالحزن فقط، وهذا ما يفرضه عليكم الدين والانسانية.
كان يجب أن توقف هذه الحفلات ونوجّه كل اهتمامنا الى غزة. لكن حضرة المستشار تركي آل الشيخ، الذي ولد عام 1981، وهو مستشار حالي في الديوان الملكي بمرتبة وزير ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه، لا يزال يسرح ويمرح بفساده وإفساده… إنّ مثل هذا العمل هو نذير شؤم -لا سمح الله- على البلاد والعباد.
الواجب هو التوبة والاستغفار، فما يحدث اليوم هو ضرب من الابتلاء.
وختم الشيخ المبيّض بحديث للنبي صلّى الله عليه وسلم:
فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي قال: مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على مَن فوقهم، فقالوا: لو انا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً.
وأضاف قول الله تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسُنا تضرّعوا، ولكن قسَت قلوبهم وزيّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون}.
هذا وقد عُلِم ان الشيخ عماد المبيّض غادر المملكة العربية السعودية في 7 آذار وهو موجود في لندن.
وأخيراً… أتمنى أن تعود المملكة الى أصالتها وإلى موقعها الحقيقي في قيادة العالم العربي، خاصة وأنّ تاريخ الملك سلمان هو تاريخ مشرّف عربياً.