لم تتحمّل السعودية عدم تعليق رئيس الجمهورية ميشال عون على كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بحقها، ولا ابتلعت موقف الرئيس من «إعلان الرياض»، فشنّ الاعلام السعودي هجوماً لاذعاً على رئيس الجمهورية ميشال عون، واصفاً إياه بـ«السفاح» و«الماكر» و«متعدد المرجعيات الذي ينقل البارودة من كتف الى آخر»
أغلب الظنّ أن السعودية كانت تراهن على أن يكون رئيس الجمهورية ميشال عون على شاكلة رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري، وكيلاً لأعمالها ومصالحها السياسية في لبنان. لكنه خيّب آمالها وتوقعاتها.
لذلك، وبعد أن كان الملك السعودي على ثقة بأن «فخامتكم (مخاطباً عون خلال زيارته السعودية) ستقودون لبنان إلى برّ الأمان والاستقرار»، بات عون في عيون الإعلام السعودي «سفّاحاً»، «متعدد المرجعيات لطالما نقل بندقيته من كتف الى آخر»، ودعمه «كذب وزير خارجيته جبران باسيل» يأتي بسبب وسم إعلان الرياض حزب الله بالإرهاب.
جريدة «عكاظ» السعودية صبّت جام حقدها في مقال نشرته الجمعة الماضي تحت عنوان «عون متعدد المرجعيات لا يعيش خارج الحاضنة»، ووصفت فيه رئيس الجمهورية بأنه «رجل هش لكنه ماكر، مسيرته العسكرية قامت دائماً على وجود حاضنة تقف الى جانبه». وهو «قائد الجيش السابق الذي أدخل الجيش السوري الى قصر بعبدا ووزارة الدفاع، وأدخل من البوابة الأخرى عام 1982 الجيش الاسرائيلي الى مقر البرلمان اللبناني». ولفتت الى «حروب دامية دارت بين الطوائف من العام 1988 الى العام 1990 وكان عون أبرز السفاحين فيها»، وسألت: «هل تغيّر الرجل حتى يصبح رئيساً للجمهورية؟».
ومعلوم أن الصحف السعودية لا تتعرض لأي شخصية ما لم تحز موافقة ضمنية من السلطات الرسمية.
هجوم الرياض على رئيس الجمهورية لا يتعلق بإعلان الرياض، على ما تقوله أوساط مطلعة؛ فكلام عون لم يختلف عمّا جاء عقب البيان الحكومي من حيث التأكيد على البيان الوزاري. والسعودية كانت أول من أشاد بهذا البيان ودعت على إثره رئيس الجمهورية لزيارة الرياض. ما يجري اليوم له صلة بـ«إخلال الرئيس عون بالضمانات التي قدمها للملك عند زيارته السعودية، وتتعلق بعدم السماح لأي مكوّن بالتعرض للسعودية»، بحسب مصادر في تيار المستقبل. وبناءً على ذلك أتى وعد عون: «ما جمع بين اللبنانيين والسعوديين من علاقات تاريخية سيستمر»، ليعتبر لاحقاً، خلال مقابلة أجرتها معه محطة «الإخبارية» السعودية بعد وصوله إلى الرياض، أن «العلاقات اللبنانية السعودية تعرضت للشوائب غير الواضحة في سياق السياسات العربية العامة، وأنا اليوم هنا لأبدّد الالتباسات التي حصلت، حاملاً المودة والصداقة للشعب السعودي».
أوساط بعبدا: الرئيس عون لم يتغيّر ولا غيّر في موقفه الذي لطالما كان واضحاً وعبّر عنه في خطاب القسم
يومها، وعقب عودة الوفد اللبناني من الرياض، لمّح وزير الداخلية نهاد المشنوق الى ما سبق، حيث قال خلال حديث ضمن برنامج «كلام الناس» إن «الهبة العسكرية أوقفت لأسباب سياسية، وعودة تنفيذها لها ثمن سياسي»، لافتاً الى أن «عون حمل على كتفيه أنه يضمن سياسة جديدة في لبنان»، ليتابع أن الرئيس اللبناني قال على مسؤوليته إنه «يضمن عدم قيام حزب الله بعمل عسكري في لبنان، وإن قتال الحزب في سوريا خارج إرادة الدولة». وعن نتائج زيارة الرئيس عون للسعودية، أشار المشنوق الى أن لبنان موضوع اليوم تحت المراقبة «لأن لهذه الدول شروطاً سياسية في علاقاتها، شروطها محدودة، وبعضها شروطها كثيرة وبعضها شروطها أصعب. لكن ما من شك أن البداية مشجعة وإيجابية؛ خلال الزيارة تعرّفوا على الرئيس وعلى أفكاره وعلى التزاماته، وهو الضامن أنه لن تتكرر أيّ إساءة للخليجيين من لبنان ولا من أي طرف سياسي لبناني». لذلك جنّ جنون السعودية عقب ما اعتبرته ربما إساءة السيد نصرالله لها قبل أيام، وصمت الرئيس عون إزاء ذلك، فكان مقال «عكاظ»، ومقال آخر في صحيفة «الوطن» السعودية تحت عنوان «تنصّل يؤكد تحكّم حزب الله بالقرار اللبناني». وتقول المصادر في هذا السياق إن «السعوديين بنوا آمالاً على الفصل بين موقف رئيس الجمهورية اللبنانية أياً كان اسمه وبين كلام حزب الله، خصوصاً أن ذلك تمّ بعد وضع عون ضمانته الشخصية في هذا الموضوع».
نتيجة ما سبق، إضافة الى ما جاء على لسان عون وباسيل عن «إعلان الرياض»، فاضت كأس الرياض، فأقدمت السلطات السعودية أخيراً على حجب موقع «التيار الوطني الحر» في المملكة، أسوة بما فعلته مع قناة «الجزيرة» القطرية عقب تصريح أمير قطر حول إيران.
أوساط رئيس الجمهورية تضع الهجوم السعودي في خانة «الرسائل»، مؤكدة أن الرئيس لم يتغيّر، بل فعلياً من تغيّر هو المملكة السعودية. فعون «كان واضحاً في خطاب القسم، وأتى البيان الوزاري ليؤكد على كلامه. موقفا الرئيس عون ولبنان معروفان مسبقاً، وقد دعي بعد تلاوتهما الى الرياض، وبالتالي الرئيس لم يغيّر شيئاً في سياسته منذ انتخابه، وهو حريص على أفضل العلاقات مع الدول العربية حيث يستشهد دائماً بميثاق جامعة الدول العربية الذي يقول بعدم التدخل في شؤون الدول العربية». أما اقتصاص السعودية من لبنان فليس أمراً مستجداً بعد أن عمدت خلال السنة الماضية الى تجميد الهبة العسكرية على خلفية ما اعتبرته «مواقف عدائية من جانب لبنان ناتجة عن خضوعه لحزب الله»، قبل أن يبلغ عون، إثر زيارته الرياض، فكّ الفيتو السعودي عن تلك المساعدات. ويبدو أن السعودية على وشك أخذ إجراءات أخرى نتيجة عدم إعجابها بالموقف الرسمي اللبناني ورغبتها في إشعال الفتنة بين رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر ضمنياً، وحزب الله. فالرياض تريد اليوم من الرئيس عون التصديق على ذمّها حزب الله واعتباره منظمة إرهابية من دون السماح للحزب بالرد، وإلا… فستعمد بنفسها الى ذمّه في إعلامها بطريقة لاأخلاقية لا تتلاءم مع منصبه كرئيس دولة عربية. وحتى الساعة لم يصدر أيّ موقف لعون أو وسائل إعلام التيار حول ما كتبه الاعلام السعودي.