هل فتحت «صفحة جديدة» في العلاقات اللبنانية السعودية؟ سؤال طرح بقوة خلال الساعات القليلة الماضية في ضوء انتهاء «الكباش» الديبلوماسي بقبول السفير اللبناني المعين في الرياض فوزي كبارة بعد نحو خمسة اشهر من التاخير، وتسلم اوراق اعتماد السفير السعودي في لبنان وليد اليعقوب في قصر بسترس وبعبدا تباعا… فهل انتهت الازمة فعلا؟ وانتهت تداعيات ازمة احتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري؟ هل ثمة مقاربة سعودية جديدة للملف اللبناني في ضوء التطورات المحلية والاقليمية؟ وهل سلمت القيادة السعودية الشابة باستحالة احداث تغيير للواقع اللبناني في الظروف الراهنة وقبلت التعايش مع الامر الواقع على «مضض»؟ والاهم الى متى؟
تتقاطع معلومات دبلوماسية في بيروت مع اجواء لدى اكثر من جهة سياسية فاعلة على التأكيد بان السياسة السعودية لم تتغير «قيد انملة» ازاء استمرار المواجهة مع ايران على امتداد «الجبهات» المفتوحة في المنطقة ومنها الساحة اللبنانية، لكن الرياض تحتاج الى مرحلة «تلتقط» فيها «انفاسها» في لبنان بعد الانهيار الكارثي لخطة اسقاط الحريري وادخال البلاد في الفوضى. السفير الجديد في بيروت تحدث امام عدد من «الاصدقاء» عن سعيه لمقاربة هادئة لمسار العلاقات الثنائية بعيدا عن التشنج، ولكن دون التخلي عن «ثوابت» المملكة وفي طليعتها العمل على تقليص النفوذ الايراني في القرار السياسي الاستراتيجي المتمثل «بهيمنة» حزب الله على هذا القرار ومصادرة دور الاطراف السياسية الاخرى…
لا تشير تلك الاوساط الى السبل التي ستعتمدها المملكة في سعيها لتحقيق مرادها، ولكنها تؤكد بأن «ادارة الازمة» او ما يمكن اعتباره فترة السماح ستمتد على اقل تقدير حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة ليبنى على «الشيء مقتضاه» في ضوء النتائج المفترضة… وثمة دور رئيسي كلف اليعقوب به ويتمحور حول استعادة «الثقة» مع الرئيس الحريري وتيار المستقبل في ضوء الندوب التي لحقت في العـلاقة بعد ظروف احتجاز الحريري في الرياض، حيث لم يتوان السفير المعين في بيروت عن التلميـح الى وجود ادارة خاطئة لهذا الملف ادت الى هذه النتـائج «غير المرضية» بالنسبة اليه، ويتكىء اليعقوب على دعم واضح من وزير الخارجية عادل الجـبير الذي حافظ وحـده على «شعرة معاوية» مع الرئيس الحريري، الذي بات من المؤكد انه سيتصدر نتائج الانتخابات على الساحة السنية بدعم «خصوم» المملكة، لكنه سيعود رقـما صعبا يصعب تجاوزه بسهولة، ولذلك ستضطر القيادة السعودية للتعامل معه على «علاّته»..
وتعتقد تلك الاوساط، بان سقف التوقعات السعودية في لبنان قد انخفض بعدما اصيبت الرياض بخيبة امل كبيرة مؤخرا، وهي باتت مقتنعة بان المواجهة المباشرة مع حزب الله «شبه» مستحيلة، «وادواتها» الداخلية عاجزة عن هذه المهمة، وكما تدرك جيدا ان «استدراج» الحريري الى مربع المواجهة مع الحزب صعب للغاية، والاصعب من ذلك، جره الى مواجهة مع رئيس الجمهورية ميشال عون قبيل موعد الانتخابات النيابية، ولذلك فان الرهان سيكون على ما بعد تلك المرحلة للدفع باتجاه مواقف اكثر صلابة للحريري باتجاه ما باتت تعتبره السعودية اولوية وهو استعادة «هيبة» الصلاحيات الممنوحة لرئاسة الحكومة في «الطائف»والتي فقدت بسبب ارتماء رئيس الحكومة في «احضان» رئيس الجمهورية، وهو امر تأمل المملكة في ان ينتهي بعد الاستحقاق الانتخابي.
وفي الانتظار، تلفت الاوساط الديبلوماسية الى ان الاولوية السعودية الان هي في اتجاهين الاول محاولة هز الاستقرار الايراني من الداخل وذلك تطبيقا لاستراتيجية الامير محمد بن سلمان لنقل «الحرب» الى الداخل الايراني، واذا نجحت بذلك يكون سقوط حزب الله في لبنان حتميا… اما الاتجاه الثاني فهو يرتبط في ايجاد «ثغرة» للتأثير في الواقع الاردني بعد موقف الملك عبد الله العلني والجريء في ملف القدس، وقد أصبحت مسألة نزع «الوصاية الهاشمية» عن المقدسات اولوية لدى القيادة السعودية الشابة التي تحاول انتزاع هذه المشروعية من الملك الاردني في سياق الاعداد لمشروع المقايضة المفترض مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب، لتسوية منقوصة مقابل «التطبيع»، ضمن ما بات يعرف «بصفقة القرن» التي تم ارجاءها الى وقت كاف، يسمح بامتصاص الغضب العارم ازاء خطوة الرئيس الاميركي بشأن القدس…
وفي هذا الملف، اذا كان ولي العهد السعودي قد اخفق باقناع الرئيس الفلسطيني محمود عباس باستخدام المخيمات الفلسطينية لمواجهة حزب الله على الساحة اللبنانية، يبدو انه نجح في انتزاع موقف مؤيد منه لنظرة الرياض في ملف القدس وعملية التسوية، وهذا ما يفسر التكتم الشديد الذي يبديه ابو مازن تجاه تفاصيل زيارته الثانية للمملكة، حيث لم تتمكن خلية الازمة التي شكلت مع الاردن من الاجتماع، وبالتالي غابت المعلومات حيال هذه الزيارة، كما ان رئيس السلطة لم يطلع العاهل الاردني على نتائجها… وما يزيد القلق في عمان مسألتين الاولى اتخاذ السعودية قرارا باعادة المساعدة المالية الشهرية التي ترسل للسلطة الى ما كانت عليه قبل نحو ثلاثة سنوات وهو مبلغ يصل الى نحو 20 مليون دولار شهرياً بعد أن تم تخفيضها الى سبعة ملايين… اما المسألة الثانية فهي أن صلة الوصل بين الولايات المتحدة الاميركية والسلطة الفلسطينية اللواء ماجد فرج هو الذي رتب اللقاء الأخير مع ولي العهد السعودي، وهذا الامر له دلالة سياسية واضحة المعالم…
وفي الخلاصة حاولت السعودية قبل عملية «تخريب» الساحة اللبنانية «انتزاع» العراق من إيران لكنها ادركت صعوبة ذلك، فعلى الرغم من اعادة العلاقات الديبلوماسية ووعود إعادة الاعمار بمليارات الدولارات، جاء مطلب حل «الحشد الشعبي» ليعيد الامور الى «نقطة الصفر»، بعد ان رأى فيه العراقيون «وصفة» لحرب اهلية، وهذا ما عرقل تطبيع العلاقات، وقد زادها سوءا اصرار المملكة على معادلة «اما معي او مع ايران»، وهي استراتيجية لا تزال المملكة تتبناها على امتداد المنطقة، ولذلك لا تزال الامور معقدة وفي طور التصعيد، وبرأي اوساط وزارية بارزة، فان «الخير فيما وقع» عندما استعجلت الرياض احداث انقلاب في لبنان قبل «العبث» في الداخل الايراني، ففترة السماح الناتجة عن «خيبة الامل» السعودية ستسمح بتحييد لبنان عن «لهيب» «الكباش» الجديد المفتوح على كافة الاحتمالات، خصوصا ان القيادة الايرانية لن تتوانى عن الرد على محاولة زعزعة الاستقرار الايراني، وفي المرحلة المقبلة ستكون العيون شاخصة على اكثر من جبهة خصوصا الحرب المفتوحة على الكثير من «المفاجآت» في اليمن… وهكذا يمكن القول ان لبنان اعيد الى «الثلاجة» موقتا…