بمعزل عن شكل ومضمون الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أمس، وما يمكن ان يؤدي إليه من تحولات، فقد ضجّت العواصم العربية والغربية بمجموعة من الاقتراحات التي تحاكي وقفاً محدوداً لإطلاق النار، تظلّله شعارات انسانية. وهو ما يفتح الباب أمام هدنة مؤقتة يمكن استغلالها في مهلة مرتبطة بقمة الرياض في 11 الجاري. وعليه ما هي المعطيات التي تقود إلى هذه المهلة؟
ربطت مراجع ديبلوماسية وسياسية مطّلعة مسلسل المجازر التي ارتكبتها اسرائيل في قطاع غزة وبعض مدن الضفة الغربية على قساوتها، وأهمية ما هو مطروح من مخارج مطروحة بقوة على طاولات المفاوضات المعلن عنها وتلك الجارية في الكواليس الديبلوماسية في مجموعة من العواصم الغربية والعربية والخليجية منها خصوصاً، للدلالة إلى حجم ما هو متبادل من اقتراحات عملية سعياً الى موافقة الأطراف المعنية بها. وفي سعي دؤوب إلى ان تنتهي بخطوة ما، تضع حداً ولو مؤقتاً لما يجري في غزة وغلافها، في محاولة جدّية لمنع انفجار المنطقة بكاملها، بعدما لامست النيران إطارها الأوسع.
ولمن يبحث عن مزيد من التفاصيل التي حكمت سقوف الحركة الديبلوماسية الدولية بين القوى المعنية والوسيطة التي تتعاطى مع ما يحصل، اضافت المراجع إنّ الربط المنطقي بين التطورات الدراماتيكية في قطاع غزة التي بلغت الذروة وما أوحت به العمليات العسكرية المتفرقة التي وقعت في اكثر من منطقة تمتد على بقعة مترامية الأطراف من البحر الأحمر واليمن من جهة ومضيق هرمز من جهة اخرى، ومنها الى عمق العراق وسوريا وصولًا الى الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة.
وإن كانت ما أقدمت عليه اسرائيل بما تملكه من ترسانة حربية، وما تزوّدت به من اسلحة فتّاكة قد بلغت الذروة في قطاع غزة، بعدما لم تضيّع ساعة واحدة من دون القيام بأي نشاط عسكري، فقد قدّمت العمليات العسكرية التي شهدتها المنطقة الواسعة الأخرى رسماً تشبيهياً لساحة المواجهة الكبرى المحتملة، ما لم يضع المجتمع الدولي الذي أعطى الضوء الأخضر للجيش الإسرائيلي للمضي بارتكاباته، حداً لما جرى حتى اليوم، بعدما تجاوزت معظم الخطوط الحمر.
وعليه، فإنّ ما تلاقت عليه التقارير الديبلوماسية الواردة من اكثر من عاصمة خليجية وغربية ومن أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن تحديداً، هو أنّ المنطقة باتت على فوهة بركان كبير اقتربت حممه من أن تطاول مختلف دولها. فالتحذيرات جاءت واضحة باحتمال ان تشهد بداية وقوع «الحرب العالمية الثالثة» التي تجنّب العالم كله اندلاعها نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، بعدما اختلطت وجوهها العسكرية والاقتصادية والمادية والديبلوماسية في ما بينها بمزيج تسبّب بفرز دولي عميق بين محورين، لولا بعض الخطوات المتسارعة التي تلاحقت لتشكيل نوع من التوازن الدولي. فقد حالت بعض الخطوات التي قامت بها الصين وكوريا الشمالية وإيران ودول اخرى لمساعدة روسيا في تجاوز العقوبات التي تعرّضت لها ومعها مجموعة الدول التي ساندت أوكرانيا في حربها غير المتكافئة مع دولة عظمى كروسيا الاتحادية، من دون ان تستخدم موسكو الاسلحة غير التقليدية، بما فيها النووية التي هدّدت بها إن تجاوزت بعض الدول مجموعة الخطوط الحمر.
وفي المقارنة ما بين ما جرى على الساحة الأوكرانية وما يجري في قطاع غزة وأراضي فلسطين التاريخية المحتلة، تعدّدت المعادلات الشبيهة، ووضعت القوى المتدخّلة فيها أمام معادلات مكرّرة في وقت تاريخي قياسي، فصلت في ما بينها اشهر قليلة انقلبت فيها الصورة بين مواقف المنخرطين فيها بنسبة 180 درجة. وتحوّل من أدان ما شهدته مدن أوكرانية عدة من مجازر خرجت في شكلها ونتائجها على كل المواثيق الدولية الى من يبرّر لتل أبيب ما فعلته من مثيلاتها في القطاع على رغم من الفوارق الكبيرة في نتائجها على مستوى حجم الضحايا وحجم التدمير الذي لم تعرفه سوى مدن وقرى اوكرانية كانت خالية من سكانها.
وفي جدول المقارنة هذا، تجدر الاشارة الى انّ ما انتهت إليه الآلة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة وبعض مدن الضفة الغربية في اقل من شهر واحد، لم ترتكبه موسكو بعد في اكثر من 18 شهراً حتى اليوم في اوكرانيا. وان تخطّى عدد الشهداء الفلسطينيين الآلاف التسعة، ما عدا المفقودين تحت الركام في غزة وحدها بمن فيهم الاطفال والنساء الذين تجاوزت نسبتهم ثلثي هذا العدد، لم يصل عدد من سقط في أوكرانيا من نساء وأطفال نسبة 15% من هذا العدد. وان اقترب عدد الجرحى من 30 ألفاً في القطاع، فإنّ ما انتهت إليه حرب أوكرانيا لا تُقاس بمساحتها وحجم المتخاصمين فيها ومساحة المناطق البحرية. فالقطاع بكامله لا يتجاوز في مساحته حدود العاصمة كييف وعدد سكانها. كما انّ عدد من سقط من القتلى في عملية «طوفان الأقصى» في المستوطنات والكيبوتزات الإسرائيلية من المستوطنين والأجانب من حاملي الجنسيتين، لا يتجاوز عدد من سقط في مجزرتين ارتكبتهما حكومتهم ما بين «مستشفى المعمداني» وواحدة من مجازر بيت حانون.
وعلى خلفية ما انتهت إليه هذه المقاربة بين أحداث غزة وأوكرانيا، يبدو من الواضح انّ هناك تبدّلاً في الرأي العام الأميركي والدولي، ولم تعد الحكومات المؤيّدة لاسرائيل قادرة على المضي في موقفها الراهن والتعمية على ما ارتُكب، وهو ما بات واضحاً في خلفية الاتصالات الجارية لمواجهة أحداث غزة. ومن هذه الزاوية بالذات، كشفت مصادر حكومية وديبلوماسية لبنانية، انّ الحركة الديبلوماسية في بيروت انتهت الى تبلّغ المسؤولين اللبنانيين ما يشبه تعهّدات اميركية بالسعي الجدّي للحصول على ضمانات اسرائيلية بوقف العمليات العسكرية في القطاع، كما اقترحت الادارة الاميركية، وان ليس هناك سبباً لتبرير هذا الطلب سوى العنوان الإنساني. فما تتعرّض له واشنطن من ضغوط تجاه موقفها مما تقوم به اسرائيل، اقترب من ان يفعل فعله، وإنّ على لبنان ان يلاقي هذه الجهود بضمانات مماثلة من «حزب الله».
وقالت الرسائل التي تبلّغها اللبنانيون ما مفاده، لتجنيب لبنان اي مواجهة يقتضي التنبّه من عدم ارتكاب اي خطأ فادح يُخرج المعادلة العسكرية القائمة في الجنوب الى ما هو اكبر من ذلك، وهو أمر مطلوب من اسرائيل تجاه الجبهة الشمالية، على خلفية انّ مصلحتها تقتضي بعدم فتح اي جبهة جديدة للتفرّد بالفلسطينيين في غزة، والإسراع في ما يقومون به للفصل بين شمال غزة وجنوبها، لمجرد السيطرة على شارعي الرشيد الساحلي وصلاح الدين الى الجهة الشرقية للقطاع. مع التنبيه الدائم من احتمال ارتكاب اي خطأ يوسع نطاق المواجهة الى جبهات اخرى. ذلك انّ اي خطر مصدره اليمن لن يتجاوز مواقع السفن الاميركية في وسط البحر الأحمر، كما بالنسبة الى ما يجري في العراق وسوريا فإنّ ما لدى القواعد الاميركية فيهما كافٍ للردّ على اي استهداف لا بل فإنّها قادرة على قطع كل أشكال التواصل بين بغداد ودمشق بقطع الطرق الدولية الحدودية، تمهيداً لوقف هذه المواجهات البعيدة من إسرائيل تمهيداً لتبريد جبهة غزة.
وختاماً، تعتقد المراجع الديبلوماسية انّ هناك حاجة للاستمرار بكل جهد ممكن لوقف العمليات العسكرية في مهلة اسبوع تسبق القمة العربية في الرياض. فما هو مطروح عليها من سيناريوهات «صادمة» لا يبردّه سوى وقف المجازر المرتكبة في غزة، قبل ان تضطر الدول العربية المطبّعة مع اسرائيل الى تقليد ما قامت به المملكتان الاردنية والبحرينية لجهة سحب سفيريهما من تل أبيب، وقد تتطور الأمور الى قرارات اخرى قد يصل بها الامر الى استخدام سلاح النفط او ما يشبهه او يقترب منه.