لا تُخفي مراجع ديبلوماسية قلقها من الوضع السائد عشية القمة العربية الطارئة التي ستعقد اليوم في الرياض بناء على طلب فلسطيني، فما كانت تنتظره القمة من المبادرات الاميركية جاءها ناقصاً لمجرد التوصل إلى «هدنة تكتيكية» بدلاً من «وقف للنار» وهو ما لا يعد كافياً للسيطرة على الوضع. والى ذلك بقي على القمة ان تواجه نارين: واحدة اسرائيلية آتية من تل ابيب وأخرى إيرانية قد تأتيها من اي عاصمة في ظل حضور طهران القمة الاسلامية. وعليه، ما الذي يفسّر هذه المعادلة؟
منذ الامس بدأ تقاطر القادة والمسؤولين العرب الى الرياض للمشاركة في القمة الاسلامية التي عقدت أمس بعدما تقدم موعدها على القمة العربية بدلاً من الغائها، فيما اختار آخرون القيام بجولة على دول المنطقة للبحث في بعض المخارج المطروحة للأزمة وسبل معالجتها. وسعياً الى تنسيق المواقف في ربع الساعة الاخيرة الفاصلة عن موعد انعقادها اليوم. وان توغّلت المراجع الديبلوماسية التي تواكب ما هو مطروح من افكار، فقد ربطت بين ما انتهت إليه اجتماعات الدوحة، وأكثرها أهمية كان ذلك الاجتماع الذي جمع أمس الأول كلّاً من رئيس «الموساد» الاسرائيلي ديفيد بارنيا ومدير المخابرات المركزية الاميركية (سي.آي.إيه) وليام بيرنز ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الذين توغلوا في ما يمكن ان تؤدي اليه «الصفقة» الخاصة بتبادل الاسرى على اساس التصنيف المطروح في شأنهم بين اكثر من لائحة اسرائيلية وفلسطينية وأميركية.
أمّا وقد سبقت حركة «حماس» جميع الاطراف بوضع جدول مبرمج بما لديها ولدى حلفائها من اسرى، فقد باتَ بتصَرّف كُثُر، وقد بَنَت عليه اقتراحاتها بمرونة نادرة تقع بين حَدي «الصفقة الشاملة» او تلك «المتفرقة» التي يسمح بها التنوع الموجود بما لديها من اسرى يوازي نوعية وهوية المعتقلين في السجون العبرية. وهو جدول وُضع في تصرّف القيادة القطرية خلال الاجتماع الأخير الذي جمع مسؤولين منها مساء الاربعاء الماضي وقيادات حمساوية على مستوى أعضاء المكتب السياسي الموجودين في قطر. كما حضرت اللائحة عينها على طاولة اللقاء الثلاثي القطري – الاسرائيلي ـ الاميركي حيث لقيت تجاوبا متفاوتا. فالمسؤول الأميركي الذي رحّب بالتصنيف «الحمساوي» قدم ملف اصحاب الجنسيتين الاسرائيلية والاميركية او غيرها من تلك الغربية والآسيوية على بقية الاسرى، فيما كان رفض الجانب الاسرائيلي قاطعاً. وهو ذهبَ بعيدا في اعتماد أولوياته فقلب بها اللائحة رأسا على عقب، مقدما الرهائن والاسرى العسكريين الاسرائيليين قبل المدنيين المؤهلين للتبادل وخصوصا حاملي الجنسيتين.
ولمّا ظهر واضحاً انّ معالم الصفقة لم تكتمل على رغم من الجهود التي بذلت في قطر وخارجها، فقد كانت تركيا والقاهرة ومسقط على الخط عينه. وعلى رغم من تعدد المفاوضين فقد احتفظ كل منهم بموقفه المتشدد من اعلى هرم المسؤولية الى ادناها. وعليه، فقد حمل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني هذه النتائج المتواضعة لحصيلة المشاورات وتوجّه بها الخميس إلى الإمارات طالباً تدخّل نظيره رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في محاولة لحشد المواقف المؤيدة للتسلسل المُعتمد فلسطينياً من دون تجاهل حجم الاستعدادات لدى «حماس» لإمكان طرح «الصفقة الكاملة» التي لا تستثني احداً من بين الاسرى والمعتقلين في السجون الاسرائيلية إن سنحت الفرصة لصفقة بهذا الحجم.
فمثل هذه الصفقة، في رأي أصحاب هذه النظرية، قد تكون الخطوة المثالية لتؤدي ربما الى إنهاء العمليات العسكرية ان صَدقت اسرائيل وكانت جدية في اصرارها على ربط خياراتها العسكرية بإطلاق جميع الاسرى لوقف العدوان. فالقيادة الإماراتية منخرطة بكل قواها الديبلوماسية من ابو ظبي الى نيويورك وواشنطن وربما تل ابيب في المفاوضات الجارية ولها كلمتها في مجلس الأمن حيث تطبخ مثل هذه الصيغ من دون القدرة على إنتاج ايّ منها في ظل الفيتوات المتبادلة.
والى هذه التحركات وما يمكن ان تُفضي اليه، فقد توقفت المراجع عينها امام اللقاءات التي استضافتها القاهرة، فهي كانت ولا زالت مسرحاً للوسطاء من مختلف الجنسيات قبل ان يصل اليها وفد رفيع المستوى من «حماس» حيث وضعت الصيغ المطروحة على طاولة مدير المخابرات المصرية قبل ان يصل اليها أمير قطر الذي طرحها مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في محاولة للوقوف منه على الملاحظات المصرية الاخيرة في شأن الوضع في غزة ومساعي وقف الحرب وتعزيز فرض وقف النار سواء سمّي «هدنة تكتيكية» أو «هدنة انسانية»، فهي خطوات تمهّد في حال نجاحها الى تفاهمات قد تمتد تدريجاً لفترات أطول.
وبعيداً عن كثير من التفاصيل المملة، التقت المعلومات الواردة من القاهرة وأبو ظبي والدوحة على أن الجهود الخليجية والعربية بقيت عاجزة عن التوصل الى تفاهم نهائي عشية قمة اليوم. وفيها انّ الشروط الاسرائيلية التي أعاقت كثيرا من الافكار الاميركية قبل العربية إن لم تُبطلها، رفضت أيضاً نصائح الرئيس الاميركي جو بايدن الذي عبّر في رسالة مباشرة الى القيادة الاسرائيلية عن «ضرورة التصنيف الدقيق في ما تستهدفه الغارات الجوية بين الإرهابيين والمدنيين»، وكذلك «الامتثال للقانون الدولي». فكان ردها بمزيد من الغارات على ما تبقى من المستشفيات العاملة في القطاع كمستشفيات: «القدس»، الرنتيسي للاطفال، العودة، الاندونيسي، ومركز الشفاء الطبي. فأوقعَت فيها وعلى عتباتها ومراكز المعاينة الخارجية التابعة لها مئات الشهداء الأبرياء.
والى الشروط الاسرائيلية التي أعاقت التفاهمات عشية القمة العربية، برزت الى سطح الأحداث بوادر الحملة التي بدأتها دول «محور الممانعة» التي هاجمت القمة العربية قبل انعقادها ونزعت عنها صفة «القادرة على اجتراح الحلول» مُصرّة على ان خيارات المقاومة هي التي يمكن الاستناد إليها في وقتٍ بَدا فيه قطاع غزة مشطورا الى شمالي وجنوبي واقترب من ان يدمّر كلياً. فالقمة العربية ستناقش مشروع بيانها الختامي الذي تم التوصل اليه في الاجتماعات التحضيرية على مستوى وزراء الخارجية في اكثر من بند، ما يُعتبر تجاوزاً للحرب في حد ذاتها ليصل الى طريقة ادارة قطاع غزة ومستقبله بعد الحرب رافضاً اي «ترانسفير» في حق سكانه ومعه اي «وصاية» خارجية، ومعها أي إدارة غير فلسطينية مُقدّماً دور السلطة الفلسطينية على اي مرجع آخر عربياً كان أم إسلاميا او أمميا.
وبناء على ما تقدم، ينتهي المرجع الديبلوماسي ليرفع الدعاء أن تنجح القمة، بعدما اعتبر أن نتائجها قد تكون عرضة لنيران من جهتين على الأقل: الاولى إسرائيلية واضحة لا لبس فيها. وثانية قد لا تأتي من طهران في حضور رئيسها في الرياض مشاركاً في القمة الاسلامية ولكن قد تطل من اي عاصمة أخرى من هذا المحور. وقد يكون خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله بعد ظهر اليوم أولاها، بعدما سبقته قيادات أخرى الى ادانتها قبل انعقادها. وهو سيكون أول من يعطي رأيه في ما سيصدر عنها من مقررات متوقعة اليوم ليلتقي مع «وصفة» الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للحل الذي اعتبر انّ «ردع الكيان يتم عبر قطع بعض الدول علاقاتها السياسية والاقتصادية معه»، وهو ما لم يحصل ومما ليس مُقدّراً بلوغه. وعندها قد تنتصر نظرية وزير خارجيته حسين امير عبد اللهيان الذي قال: «إنه، ونظراً لتزايد حدة الحرب في غزة، أصبح توسيع نطاق المواجهة أمراً لا مفر منه».