القمة العربية الإسلامية الإستثنائية التي عُقدت في الرياض لم تخرج عن مسارها الطبيعي، بحيث إنتهت إلى إتخاذ القرارات التي كان من المتوقع أن تصدر عنها، سواء بالنسبة للإدانة بشدة لحرب الإبادة التي يشنها العدو الإسرائيلي على قطاع غزة. أو بالدعوة للوقف الفوري للنار وللمجازر اليومية التي تُرتكب ضد أهالي غزة، وصولا إلى المطالبة بتحقيق السلام الشامل وإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة بإنشاء دولته المستقلة، على أساس حل الدولتين، الذي تكرسه القرارات الأممية، والذي يحظى بموافقة دولية واسعة.
غابت عن هذه القمة الخلافات التي أجهضت قمة القاهرة الدولية، وحالت دون صدور البيان الختامي عنها. في حين إتخذت قرارات قمة الرياض بإجماع ٥٧ دولة عربية وإسلامية، بما فيها إيران، تختلف بين بعضها السياسات الإقليمية والدولية، وتُباعد بينها المسافات الجغرافية، وتتمايز مجتمعاتها بالبيئات الإجتماعية والتباينات الثقافية.
وهنا لا بد من التوقف قليلاً عند مقدرات الدول العربية والإسلامية التي يربو عدد سكانها على ملياري نسمة، ومنتشرة في القارات الأربع، والعديد منها ينتمي إلى مجموعة الدول المنتجة للبترول، فضلاً عن أهم الخامات الإستراتيجية، والمعادن الثمينة المتوفرة في بلدان أخرى، خاصة الدول الإفريقية، مع الأخذ بعين الإعتبار وجود السعودية وإندونيسيا في «مجموعة العشرين»، وتواجد آخرين في «مجموعة بريكس»، فضلا من المنظمات الدولية والتكتلات الإقليمية والقاريّة الأخرى.
تؤكد هذه الأرقام أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به الكتلة العربية والإسلامية، والتي تحتل المرتبة الثانية بعدد دولها، بعد الجمعية العمومية للأمم المتحدة، التي تضم ١٩٣ دولة، في حين أن عدد دول الإتحاد الأوروبي يقتصر على ٢٢ دولة فقط.
إن القرارات الصادرة عن قمة الرياض حول الحرب الإجرامية في غزة، تبقى على أهميتها وشموليتها، على محك إختبار قدرة هذا التكتل الدولي الكبير على تنفيذ قراراته على أرض الواقع، ومدى حجم وفعالية الضغوط التي يمكن أن يمارسها على الإدارة الأميركية أولاً، ثم على عواصم الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لإستصدار قرار عن مجلس الأمن يُلزم الدولة المعتدية بوقف مجازرها في غزة فوراً، إفساحاً لدخول المساعدات الإنسانية أولاً، من دواء وغذاء ومياه ووقود، ثم في البحث بتنفيذ خطوات تبادل الأسرى والرهائن.
نجاح اللجنة الوزارية المنبثقة عن قمة الرياض في الحصول على مثل هذا القرار من مجلس الأمن، من شأنه أن يُضاعف المأزق الذي يتخبط فيه نتانياهو وحكومته، بعد الفشل في تحقيق الأهداف التي أعلنها منذ اليوم الأول للحرب، وفي مقدمتها القضاء على قيادة حماس، وإخراج الحركة من غزة، والعمل على تحرير الرهائن والأسرى، والذين مات العديد منهم تحت القصف الوحشي لمباني وأحياء غزة.
وإذا كان صدور قرار مجلس الأمن يتطلب موافقات دولية معقدة، فثمة خطوات أخرى كان يمكن تقريرها في القمة، وتنفيذها يتم بقرارات سيادية من الدول المعنية، وفي مقدمة تلك الخطوات تعليق كل إجراءات التطبيع مع الدولة العنصرية الصهيونية، وطرد ممثليها من تلك الدول ، مقابل سحب السفراء العرب وإغلاق الممثليات العربية في تل أبيب، ووضع الحقوق الفلسطينية شرط أساسي للعودة إلى التطبيع، كما فعلت المملكة العربية السعودية، حيث أبلغ الأمير محمد بن سلمان الوسيط الأميركي في البدايات التمهيدية لمفاوضات التطبيع، أن حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه بقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، يُعتبر الشرط الأساس لإتمام التطبيع مع الجانب الإسرائيلي.
من المحزن فعلاً أن تقوم دولة أوروبية هي آيرلندا بمثل تلك الخطوة وتطرد السفير الإسرائيلي من بلادها، إحتجاجاً على المجازر البشرية في غزة، في حين تبقى العواصم العربية المعنية متجاهلة إتخاذ خطوة مماثلة، يعد مضي خمسة أسابيع على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها العدو الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في القطاع المنكوب.
قد لا تكون قرارات القمة العربية الإسلامية بمستوى الغضب الشعبي الذي يعم الشارع العربي، ووصل إلى التظاهرات الضخمة في واشنطن ولندن، والعديد من المدن الأميركية والأوروبية، ولكن النجاح في تنفيذها، خاصة بالنسبة لوقف النار وإدخال المساعدات، من شأنه أن يُخفف من الغليان ضد الإعتداءات الصهيونية البشعة على المدنيين العزّل، والتي تعتبر جرائم ضد الإنسانية بعدما طالت المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس.
كما يعزز التنفيذ السريع لقرارات القمة الثقة بأهمية وجدوى التعاون العربي والإسلامي في القضايا المصيرية، وبمواجهة الضغوط الأميركية في السكوت عن الدعم الأميركي الأعمى للدولة الصهيونية .