مع استمرار سلسلة التحرش البحري، واستهداف السلاح الأميركي للمرة الأولى، يبدو أن قادة إيران يرون الولايات المتحدة من منظور هزيمة فيتنام وانسحاب قواتها من لبنان عام 1984. يرونها جبانة ولا تجرؤ على استخدام قوتها العسكرية الهائلة، ولسوء حظهم أنه تقدير ضعيف؛ لاختلاف التجربتين عن الحاصل اليوم، كما وكأنهم تجاهلوا ما فعلته في العراق مرتين أيضاً.
ذلك الحساب الخاطئ سيقضي على القوة العسكرية لإيران سريعاً، ففي فيتنام نزل الجيش الأميركي إلى أرض المعركة، وذاق طعم الخسائر البشرية العالية، وواجه رأياً عاماً داخلياً تنامى سخطه عاماً بعد عام. وفي لبنان كانت قوة صغيرة، في بلد صغير جغرافياً، تكاثرت فيه الميليشيات وجيوش الدول. كانت القوة الأميركية رقماً تائهاً وسط الحرب الأهلية، فلم تتحمل بضعة كفوف، وقبلها لم تتهيأ لاستقبالها؛ لأنها أبقت على مجال حضورها أهدافاً يسهل تناولها، فغادرت. ولكن متى ما أرادت القوة العسكرية الهائلة أن تقضي على جيش بلد، فعلت ذلك سريعاً. في عام 1991 دمرت الجيش العراقي، ولم ترحم قوافله المنسحبة من الكويت، وحولتها رماداً شاهداً على نتيجة تحدي واشنطن، وكررت الفعلة في عام 2003، وفي بضعة أيام أنهت كل شيء.
إن القوة العسكرية لإيران اليوم ليست بعيدة جداً عن قوة العراق عام 1990، وربما أبرز الفوارق تتجلى في البحرية، فلها حضور لافت، يمتاز بالحركة الرشيقة، أما دعاية الصواريخ الباليستية، فما زالت في حدود “سكود”، وقد عرفته سماء السعودية عام 1991، وتالياً مع ميليشيات الحوثي. تلك فوارق محدودة بين التجربتين، أما المتغير الأبرز فهو لدى الطرف الآخر، ويمكن مقارنة تطور القوات المسلحة السعودية في ثلاثة عقود، وقبلها النقلة النوعية في السلاح الأميركي. ذلك قياس بدا غائباً عن بصيرة القيادة الإيرانية، وربما أعماها التمدد والتفوق في مساحات جغرافية جديدة، وقدرتها على التأثير في مجموعة دول مفككة، ونسيت أنه تم عبر وكلاء، ولم تختبر فيهم جيشها، ولا قوتها المتخيلة منذ هزيمة حربها مع العراق.
ما فات القيادة الإيرانية أيضاً أن القتال الميداني لن يكون خيار أعدائها، ولم يكن تكرار الاحتلال العراقي وارداً معها. إن الحرب، إذا اندلعت، ستكون جوية وبحرية، ولا مجال لقوات برية تحولها إلى نزيف بشري من خزان الجيش، ويطيل أمدها طويلاً، وهذا الفارق الجلي بين ما جرى في فيتنام وما نرقب حدوثه مع إيران، وهذا ما لا يقوى عليه النظام في طهران، وما تقدر عليه واشنطن أو الرياض.