يجري الحديث عن مؤتمر يشارك فيه ممثلون عن منصات المعارضات السورية، المنتشرة في عدة عواصم عالمية كما هو معروف، من ضمنها العاصمة الروسية والعاصمة السورية دمشق نفسها. طبيعي أن تكون في سورية معارضة سياسية، ولكن ما ليس طبيعاً ومثيراً للريبة، أن تتخذ معارضات سورية منصات لها في دول أجنبية وأن تتواصل انطلاقاً منها مع جماعات الإرهاب ـ الإسلامي بالتنسيق مع دول معروفة بعدائها لسورية كون وجود سورية واستقرارها وتطورها يشكل عائقاً أمام تنفيذ المشاريع الإستعمارية وفي مقدمها المشروع الاستعماري الاستيطاني العنصري الإسرائيلي.
وما يعزز هذا الرأي هو المكان، الرياض، عاصمة مملكة السعوديين التي يقودها في الراهن ولي العهد محمد بن سلمان الذي احتجز رئيس وزراء لبنان وأجبره على الاستقالة من التلفزيون السعودي. لست أدري كيف ننعت هذا العمل في مضمار العلاقات الدولية! ثم تصريحات الجبير وزير خارجية ولي العهد المذكور، الذي لا ينأى بنفسه عن «الحروب والصراعات الخارجية والنزاعات الإقليمية التي تسيء إلى الاستقرار الداخلي وإلى العلاقات الأخوية مع الأشقاء العرب»، هذا الكلام الجميل، واللامنطقي هو للسيد سعد الحريري.
يتساءل المرء، عن نوعية هذه المعارضات السورية التي تأتمر تحت رعاية أمير أو شيخ أو موظف تابع للسلطة السعودية. ماذا تريد هذه المعارضات فعلاً؟ فنخن نعرف الغايات التي يسعى السعوديون إلى بلوغها، ونعرف انهم مرتبطون بعلاقات دولية سمحت لهم بأن لا ينأوا بأنفسهم عن الوضع في البحرين وأن يرتكبوا أبشع الجرائم في اليمن وأن يمولوا عملية الإرهاب ـ الإسلامي في سورية مكررين ما قاموا به في أفغانستان. هذا كله معروف، ما يجعلنا نستغرب أمر المعارضات السورية التي ارتمت في أحضان السعوديين وقبلها في أحضان تركيا وفرنسا وقطر وبعضها راح يتودد للإسرائيليين !
أعتقد أن ما تقدم يكفي للقول ان هذه المعارضات «همها بطونها»، تسعى إلى بيع البلاد وأهلها على مائدة اللئام. فأنا شخصياً أدعو بكل تواضع طبعاً إلى الحذر الشديد من المؤتمرات الدولية والإقليمية، والقرارات الأممية (فلسطين يا عرب)، والوساطات الخارجية، والمساعدات الإنسانية، المساعدات الإنسانية الدولية هي مرادفة للإمدادات العسكرية أي أنها مساعدة على الحرب ! إذاً يجب أن لا ينتظر السوريون خيراً وفرجاً من المؤتمرات الدولية ! فإذا كانوا يريدون المحافظة على بلادهم، ونحن في لبنان أقله من وجهة نظري سوريون بالفعل، عليهم أن يتوصلوا إلى انتخاب ممثلين عن مناطق سورية ومدنها ونواحيها، وأن يجتمع هؤلاء في مجلس تأسيسي، يتولى تعريف أي سورية يريدون وإلى أي تشريع دستوري يحتكمون. فأغلب الظن أن فئات من السوريين المتمردين لن تعود إلى العمل ولن تسمح لغيرها في سورية بالعودة إلى العمل إلا باستخدام القوة لإعادتها إلى الطريق القويم.
ولكن ماذ عن سوتشي أليس موتمراً إقليمياً، بين روسيا وايران وتركيا للبحث في المسألة السورية ؟ الإجابة عندي بنعم طبعاً، كون المسألة السورية متشابكة بمسائل إقليمية أخرى، وبالتالي أعتقد بالإذن من رئيس حكومة لبنان، انه يحق لتركيا ولروسيا ولإيران أن لا ينأوا بأنفسهم عنها ! كمثل المملكة السعودية التي لا تنأى بنفسها عن المسألة السورية. فالتحريم يعني حصرياً حزب الله، والمقاومة على وجه الخصوص!!
السعوديون ليسوا مدعوين إلى سوتشي لأنهم في الجانب المقابل للذي يوجد فيه الدول الثلاث، تركيا، ايران، روسيا. اما سبب هذا الخلاف فمرده إلى العلاقة بالولايات المتحدة الأميركية. بكلام أوضح السعوديون يسيرون على خطى الولايات المتحدة الأميركية، ربما لأنهم مضطرون، مجبرون، مستلبو الإرادة! وبديهي أن الاتراك والروس والإيرانيين ليسوا مرتبطين بالولايات المتحدة الأميركية بعلاقات مماثلة لتلك التي تقيد السعوديين وتأسرهم. وعليه، ان مقاربة الأزمة السورية تختلف في هذا الجانب عن ذاك.
أنا لا أعرف طبعاً، ما هو القاسم المشترك بين إيران وتركيا وروسيا. ولكن أظن أننا جميعاً متوافقون على أن معاونة السعودين للأميركين وللإسرائيليين هي معطى مثبت وأن نتائجه كانت كارثية منذ سنوات 1960 في مصر واليمن والعراق وليبيا والآن في سورية، فكانوا «كجفاة الجاهلية» الذين وصفهم علي بن أبي طالب، شراً وضرراً على الناس!
أما عودة الرئيس الحريري إلى لبنان ومشاركته في احتفالية عيد الاستقلال فإنها في رأيي لا تعدو كونها هدنة بين السعوديين والسلطة في لبنان، بعد «العمل العدائي» الذي بادر إليه السعوديون. إذا هي هدنة، والمعروف أن الهدنة هي برهة أي وقت. اما المواجهة بين الطرفين فيتوقف مصيرها على كيفية استغلال كل منهما للوقت: هل يسعيان إلى تسوية خلافهما أم إلى مزيد من التعبئة والتسليح أم إلى اجتذاب الحلفاء أم ينتظر أحدهم استسلام الآخر وموته؟!