الكلام الذي يسوقه بعض المراقبين عن احتمال ان يلجأ تنظيم «داعش» للتعويض عن هزيمته في تدمر بالتدفق تجاه لبنان يحمل الكثير من المغالاة والاثارة الاعلامية التي تصل الى حدود الخيال السينمائي، لاسباب كثيرة يأتي في طليعتها ان من اخترع «داعش» هدفه الاول والاخير في توظيفها سوريا وعراقياً لاعادة ترميم جغرافيا المنطقة المذكورة وتقسيمها تحت عنوان الفيدراليات الى دويلات مذهبية وعرقية تتناحر الى يوم القيامة لتدور في فلك الدولة العبرية، التي لها الباع الطويل في انشاء «تنظيم» الدولة الاسلامية في العراق والشام «والمعروف ان البلد الصغير» اصغر من ان يقسم واكبر من ان يبتلع وفق مقولة العماد ميشال عون كما تقول الاوساط المواكبة للمجريات.
وتضيف الاوساط نفسها انه بالاضافة الى وظيفة «داعش» الاساسية في سوريا والعراق، فان السقف الامني الذي فرضته الارادة الدولية لحماية لبنان وتحييده بالحد الادنى المقبول عن الحدائق السورية لا يزال قائماً، والا فكيف يفسر المحللون استمرارية بلد مقطوع الرأس يلفه الاحتقان الطائفي والمذهبي من رأسه الى اخمص قدميه مع هشاشة مؤسساته التي تعمل احياناً غب الطلب وبالقطارة، وعدم انهياره او جنوحه الى حرب اهلية يواكب فيها دوائر النار في المحيط، لولا الارادة الدولية المانعة، ومن هذه الزاوية، فان المغالاة الاعلامية في مواكبة المتفرقات الامنية وتضخيم اهداف «داعش» لبنانياً ليست في مكانها الصحيح، واذا كان بعض المحللين استند الى كلام العماد جان قهوجي حول ما حصل ويحصل في عرسال عن خطة للتنظيم المذكور تهدف الى اجتياح البقاع الشمالي وصولاً الى الشمال لتأمين نافذة بحرية له، فان هذه الخطة دفنت قبل ان تبصر النور اثر استعادة الجيش اللبناني زمام المبادرة في جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع مشكلا سداً حصيناً في وجه هجمات «داعش» لا بل انتقل الجيش اللبناني من الدفاع الى الهجوم الذي برز في اغارتين له على تجمعات داعشية في وادي الارانب وفي جرود رأس بعلبك ونجح في قتل اسد من لم يفر من افرادها.
وتشير الاوساط الى انه اضافة لذلك ويبنى السؤال البديهي هل بامكان «داعش» اجتياح مواقع الجيش اللبناني وبلدات البقاع الشمالي وفي طليعتها الهرمل وجرود وادي فيسان التي تسكنها عشيرة آل جعفر اضافة الى «حزب الله» للوصول الى الساحل الشمالي في عكار او طرابلس، والجواب معروف سلفاً لدى المراقبين الامنيين على انه يدخل في خانة افلام الخيال، ناهيك بانعدام وجود بيئات حاضنة لـ«داعش» في معظم البلدات السنية فيما عدا بعض الخلايا النائمة للتنظيم والتي تتخفى في مخيمات النزوح السوري والمخيمات الفلسطينية وخصوصا في «عين الحلوة» الذي يشهد اقتتالاً دورياً بين «فتح» و«الشباب المسلم» الذي يضم مجموعات «فتح الاسلام» و«جند الشام» وفلول احمد الاسير و«كتائب عبد الله عزام».
وتقول الاوساط ان طريق «داعش الى لبنان مقطوعة منذ سقوط القصير واجتثاث الخلايا التكفيرية من مدينة حمص وتلكلخ، فكيف هي الحال بعد سقوط تدمر في قبضة الجيش السوري وحلفائه اضافة الى تطويقه بلدة القريتين القريبة من الحدود مع لبنان حيث بات سقوطها في يد القوات السورية المهاجمة مسألة ساعات لا اكثر ولا اقل، في وقت يتزامن ذلك مع المعارك الدائرة في جرود عرسال وجبال القلمون السورية بين «داعش» و«النصرة» حيث تأكل الذئاب بعضها بعضاً، وقد ترتد تداعيات المعارك على مخيمات النازحين السوريين في عرسال لايقاع مجازر في صفوفهم لا سيما وانهم يتوزعون في ولاءاتهم بين «داعش» و«النصرة» وليست بلدة عرسال بمنأى عن ذلك اذا لم تطالب الجيش اللبناني بدخولها لحماية اهاليها لا سيما وان بعض ابنائها الذين بايعوا مصطفى الحجيري المعروف بـ«ابو طاقية» يشاركون في المعارك وقد قتل منهم اثنان احدهم مرافق مقرب للحجيري المذكور ومن ابناء عائلته، وفي المحصلة ان الخطر الذي يشكله «داعش» ينحصر في تخطيطه لعمليات انتحارية او استهداف شخصيات سياسية وروحية ولكنها عمليات ينطبق عليها الطابع الفردي اما الحديث عن خطة لاجتياح لبنان فتبقى في خانة التكهنات والاثارة الاعلامية.