ما بعد استقالة الحريري، وما بعد الاطلالة المتلفزة، وما بعد العودة الى أرض الوطن. مرّت المرحلتان الأولى والثانية بسرعة ضوئية، بالمقارنة مع تاريخ الأزمات في لبنان، وهي من النوع المعمّر الذي يعيش طويلا، قبل طيّ الصفحة وفتح صفحات لاحقة من الأزمات. والكل ينتظر بتشوّق وحماسة معايشة المرحلة الثالثة مع لحظة اطلالة الرئيس سعد الحريري من باب الطائرة، والنزول، والانحناء لتقبيل تراب أرض الوطن. وما بعد العودة ليس كما قبلها. وستليها سلسلة من عبارة ما بعد زيارة القصر الجمهوري، والخلوة مع رئيس الجمهورية، والمسار الذي ستتخذه الأحداث بعد ذلك. أما محاولة توقّع ما سيجري لاحقا فهو نوع من التبصير والقراءة في فنجان…
***
… والأسباب معروفة، ذلك أن الاستقالة لم تعد شأنا داخليا لبنانيا بحتا، لأن نقطة انطلاقها كانت من محور صراع ملتهب ومتجذر بين دولتين قطبين من دول المنطقة، وتشابكت مع مرجعيات معادية للعرب وغير العرب في الشرق الأوسط، واتصلت بمواقف معلنة ومضمرة في عواصم العالم، ولا سيما العظمى منها. وكل ذلك يعني ان الحلول ستكون صعبة ومحفوفة بالمخاطر، ولا يمكن الوصول اليها بين عشيّة وضحاها. وليس في هذا التقييم أية مبالغة، في منطقة تعيش هاجس اندلاع شرارة حرب جديدة تشعل الشرق الأوسط برمته، أو هاجسا أعظم باندلاع مواجهة عبّر عنها بوب كوركر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي وحذّر فيها من مسار يوصل الى حرب عالمية ثالثة انطلاقا من الشرق الأوسط!
***
ما يحتاجه لبنان اليوم هو خريطة طريق ليجتاز خمسة أشهر قد تكون فاصلة في تاريخ لبنان الحديث، وهي مشحونة بالتعقيدات والتوترات والتحديات وببعض العقول الملتهبة داخل المنطقة وخارجها. والغاية على الصعيد الداخلي اللبناني، هي الوصول الى مرحلة اجراء الانتخابات النيابية دون تعطيلها، بما يتيح انتاج توازنات جديدة تفتح الطريق أمام اعادة تأسيس للدولة اللبنانية على أسس راسخة. وأهم ما في استقالة الحريري وما بعدها، وما بعد بعدها، انها أثبتت ان الضمانة الأكبر للاستقرار في لبنان ومواجهة الأخطار التي تهدده هي وحدة الصف الداخلي وتلاحمه وتراصّه بحيث لا يترك أية ثغرة فيه لأي مندسّ مفخخ وانتحاري!