IMLebanon

«خارطة طريق» الاعتدال وبناء الدولة

 

لم تكن الأحداث الأمنية التي جرت في طرابلس وعكار عادية، لجهة اعتبارها جولة من جولات المواجهات السابقة التي عاشتها مدينة الفيحاء، بل كانت بالغة الدلالة والخطورة لجهة قدرتها على أخذ البلد بأكمله إلى ما لا تحمد عقباه سواء سياسياً أم أمنياً. هذه الأحداث دفعت الرئيس سعد الحريري مرة جديدة الى تقديم خارطة طريق للخروج من الوضع المأزوم الذي تعيشه البلاد نتيجة الأزمة السورية وتداعياتها على لبنان. 

إذاً، جاءت الخارطة كتأكيد جديد على ما سبق أن دعا إليه الرئيس الحريري ومن خلفه قوى 14 آذار، منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان وبداية الفراغ الرئاسي، فكانت الخطوة الأولى خلال شهر رمضان الماضي حيث أُعلن الاستعداد للبحث حول مرشح «تسوية» لرئاسة الجمهورية، وتلتها بالأمس دعوة الرئيس الحريري عقب هدوء المعارك في طرابلس وعكار، إلى «المباشرة فوراً في إطلاق مشاورات وطنية للاتفاق على رئيس جديد للجمهورية وإنهاء الفراغ في موقع الرئاسة الأولى، والعمل لإعداد استراتيجية أمنية متكاملة يتولاها الجيش اللبناني مع القوى الأمنية الشرعية اللبنانية، تخصص للتعامل مع ارتدادات الحرب السورية على لبنان، والسير قدماً بالخطة الحكومية للتعامل مع قضية النزوح السوري». علماً أن تأثير ما جرى في طرابلس كان واضحاً في كلام الحريري، حيث تم التأكيد فيها «أن أهل السنة في لبنان كانوا على الدوام وما زالوا يشكلون القاعدة المتينة لأهل الاعتدال والوحدة، وهم بهذا المعنى مؤتمنون على إرث قومي ووطني، لن يفرطوا به ولن يسلموا بالتراجع عنه، مهما اشتدت عليهم ظروف الاستقواء بالسلاح الخارجي وأسلحة الخارجين على الدولة ومؤسساتها الشرعية».

ما يمكن تسجيله على هامش المبادرة الأخيرة أنها أتت في ظل توقيت إقليمي شديد الضبابية، ووضع أمني داخلي عالي الحساسية، ناهيك عن الإنهاك العام الذي تعيشه البلاد سياسياً واقتصادياً جراء تداعيات الأزمة السورية، وبالتالي فخريطة الطريق التي أطلقها الرئيس الحريري، تعكس تحسساً عالياً بالخطر الذي يتمدد إلى لبنان شيئاً فشيئاً نتيجة هذه الأزمة. وهذا ما يوافق عليه وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دو فريج لافتاً لـ«المستقبل»، إلى «أنه مع تزايد خطورة الوضع بدءاً من عرسال وبريتال وصولاً الى طرابلس وعكار وصيدا، فهذا يستدعي لقاءً وطنياً ينتج انتخاب رئيس جديد للجمهورية وحكومة إنقاذ وطني لأن الوضع مخيف»، ويعتبر عضو تيار «المستقبل» النائب أحمد فتفت أن «خصوصية مبادرة الرئيس الحريري تأتي بعد أحداث طرابلس والشمال، فهي تعكس إصرار قوى 14 آذار على الحفاظ على المؤسسات الدستورية وعلى رأسها رئاسة الجمهورية». 

ويعتبر عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب فادي كرم أن «مبادرة الحريري هي استمرار للطروح الوطنية لقوى 14 آذار التي تحترم الدستور والمهل الدستورية»، ويصف عضو جبهة النضال الوطني النائب هنري حلو المبادرة بـ«الممتازة، فهو يضع على طاولة الحوار نقاطاً مهمة وجوهرية في ظل الأحداث الأمنية الأليمة التي تعيشها البلاد»، ويعتبر عضو كتلة «الكتائب» النائب سامر سعادة المبادرة «دعوة للحوار وإيجاد قاسم مشترك حول ملفات لا يمكن لحزب الله أن يبقى متفرداً فيها».

ما يمكن استنتاجه مما سبق أن المبادرة أشبه بفتح كوة في جدار الأزمة التي يعيشها لبنان، ويمكن من خلالها العبور إلى تسوية أوسع للوضع السياسي والأمني، ولهذا يشير دو فريج الى أن «المبادرة ليست الأولى للرئيس الحريري، فقد سبقتها المبادرة التي أطلقها في إفطار تيار المستقبل خلال شهر رمضان الماضي، وبعدها كانت مبادرة قوى 14 آذار في المجلس النيابي. ففي مبادرته الأولى دعا الحريري إلى انتخاب رئيس للجمهورية وانسحاب حزب الله من سوريا، واليوم يكرر المبادرة نفسها مع تزايد الخطر على لبنان». 

ويعتبر فتفت أنه «لكن لا بد من أن نكون واقعيين، بمعنى أن الرئيس الحريري يبذل قصارى جهده لإخراج البلاد من الأزمة الراهنة، في الوقت الذي يقوم الفريق آخر بأقصى درجات التعطيل وهذا ما شهدناه بالأمس من خلال كلام رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون من عين التينة، وبالتالي فالفكر التعطيلي لا يزال سائداً وصاحب القرار، أي إيران، لم تعط بعد الضوء الأخضر لحلفائها للخروج من هذه الأزمة».

من جهته يصف كرم المبادرة بأنها «تدعو للانفتاح على الأطراف السياسيين والتعالي عن المصالح الفئوية، والوصول إلى استراتيجية لبنانية لإنقاذ لبنان من الوضع الذي يعيش فيه». 

ويرى حلو أن المبادرة «ممتازة لأنها تضع نقاطاً مهمة وجوهرية على طاولة البحث والحوار، وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية والحوادث الأمنية في الشمال والبقاع، والتي تتطلب من القيادات الجلوس وفتح نقاش جدي لتجنّب الاسوأ».

ويعتبر سعادة أن «مشكلة لبنان اليوم نابعة من تدخل حزب الله في الحرب الدائرة في سوريا. أما أهمية المبادرة فتكمن في أنها دعوة لمعالجة ارتدادات النزوح على المستوى الأمني والسياسي، وعلى صعيد الفراغ المتحكم نتيجة عدم انتخاب رئيس للجمهورية».

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف سيكون تجاوب الطرف الآخر مع هذه المبادرة؟ يجيب دو فريج «أتأمل ألا يكون رد فعل الطرف الآخر اللامبالاة على غرار ما حصل في السابق، لأن الجميع يرى الوضع الذي وصلنا إليه نتيجة تدخل حزب الله في سوريا».

ويأمل كرم «في تجاوب الطرف الآخر مع المبادرة لأنه لا حل له سوى ذلك، خصوصاً أن حزب الله هو السبب في الكلفة الباهظة التي يتكبدها اللبنانيون جراء تدخله في سوريا».

ويلفت سعادة «إلى أن قوى 14 آذار ستبقى حريصة على لبنان وستظل تقترح الحلول والمبادرات حتى لو لم تلق تجاوباً من الطرف الآخر، فالتجارب مع فريق 8 آذار أظهرت أنه غالباً ما يكون الجواب لديه إما الرفض أو التمييع».