IMLebanon

الطريق إلى الطائف

عاصفة الإنتقادات التي واجهت قانون الإنتخاب على أساس النسبية ولا زالت، يبدو أنّها لن تهدأ قبل أن تُدفن الصيغة المقترحة. لقد عبّر القانون المزعوم عن مأزقين، الأول إعلان وصاية الثنائي المسيحي على سائر المكوّنات المسيحية الأخرى، مارونية أم غير مارونية، وحيازته الحق بتحديد حجم تمثيلها في المجلس النيابي المقبل، بالإضافة إلى اعتبار القانون المذكور بداية إنطلاق عصر نهضة في الحياة السياسية اللبنانية. والثاني الخروج كلياً عن اتّفاق الطائف لجهة إعتماد أعداد الناخبين ضمن المذاهب كأساس لفلسفة القانون، وبالتالي شطب أي إمكانية للسير بآلية توصل إلى مجلس نيابي خارج القيد الطائفي. إنّ العيوب المنهجية التي شابت هذه الصيغة موجودة في سائر الصيّغ المطروحة، فجميعها رمت بإتفاق الطائف جانباً لصالح الحفاظ على طائفية التمثيل ولو قُدّر لأي منها أن يعتمد لكان واجه نفس المصير، إن لم يكن على مستوى توزيع المقاعد فعلى مستوى تقسيم الدوائر الإنتخابية.

لم تفلح محاولات معدّي القانون، لا سيما ممثلي حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر في تطويق رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط وحصر الإعتراض على القانون بكتلته النيابية. الصيغة المطروحة أيقظت الكثير من الهواجس لدى أكثر من فريق سياسي. تحوّل المشهد إلى مشهد خلافي وطني لا يمكن احتواؤه بعبارات الهجوم على قانون الستين أو بالإصرار على ضرورة التوصل إلى قانون إنتخابي جديد والتمترس وراء خطاب القسم. رمى رئيس اللقاء الديمقراطي بمعادلة جديدة «قانون الستين أو التطبيق الكامل لإتّفاق الطائف»، فأحدث مفعول الحصاة في بحيرة القوانين الراكدة. طفت المشاريع كافة على السطح وعكست سلسلة من المواقف الرافضة التي تشعبت بتشعب المصالح السياسية لكلّ من الفرقاء السياسيين، وبدى القفز فوق قانون الستين مستحيلاً سواء بشكل مرحلي أو كامل نحو تطبيق إتفاق الطائف.

لماذا تقف القوى السياسية عاجزة أمام إمتحان تطبيق الطائف؟

إنّ القوى التي تمارس السياسة في لبنان هي قوى منبثقة من بنية مجتمعية لها واقعها وتعقيداتها، وقد أظهرت هذه القوى مراراً عجزها في إدارة الحكم خارج أنماط العلاقات المجتمعية السائدة مما أدى إلى اضطراب في عمل المؤسسات وتعطيلها. الأحزاب السياسية التي تدّعي امتلاك قواعد شعبية تقف عاجزة عن إعادة تنظيم نفسها لأداء دور سياسي مؤسساتي على مساحة الوطن، والطبقة السياسية لا تمتلك جرأة المغامرة بمكتسباتها والقبول الطوعي بتطبيق إتّفاق الطائف؟ فأين هي قوى المجتمع المدني التي ستمارس الضعط لتحقيق ذلك؟

أين هو الإتحاد العمالي العام، وأين هي الحركة النقابية التي كانت قادرة في سبعينات القرن الماضي على تجاوز كلّ العلاقات المعقودة على المستويين المناطقي والطائفي وتحديد أفق العمل الوطني الشامل لصالح الفئات التي أوجدتها الدورة الإقتصادية الطبيعية في البلاد؟ وأين هي الحركة الطلابية التي كانت الجامعة اللبنانية الوطنية فلكها، والتي ناضلت من أجل الحريات ومطالب العمال ومزارعي التبغ وتطوير المدرسة الرسمية والضمان الإجتماعي وقاربت بشجاعة سائر الإنتماءات وأنتجت علاقات جديدة بين اللبنانيين وطروحات ومشاريع طموحة؟ وأين هي الحركة الثقافية التي تشكّلت في ظلّ نظام الحريات العامة في لبنان والتي جسّدت كتلة ناقدة على مستوى العالم العربي وجذبت إلى حلقاتها المثقفين فكانت النموذج الذي يحتذى؟

كيف ننمي الحياة الإقتصادية السليمة خارج نطاق إستباحة المال العام والفساد المستشري لتشكّيل مساحة إختلاط ونسيج من المصالح المشتركة بين اللبنانيين، يتيح انخراطهم في حياة وظيفية وإقتصادية وإجتماعية جديدة ، ويقدّم لهم الفرص للتلاقي والعمل والعيش معاً في أطر حديثة تتجاوز نسيج العلاقات التقليدية وتشكيل فئات جديدة تعبّر عن التطور الإجتماعي الإقتصادي الجديد؟ كيف نحرّر المدارس والجامعات من الغيتوات المناطقية والطائفية ونعزّز إدخال قيّم الحداثة إليها، فندفع الأوساط الشبابية نحو تشكيل جمعيات وروابط على قاعدة وطنية أكثر منها مناطقية وطوائفية وعائلية؟

إنّ كافة التحركات التي أطلقها المواطنون بطريقة عفوية بدءاّ من العام 2005 والتي كان من الممكن أن تشكّل بدايات تأسيسية لمجتمع سياسي جديد قد أُجهضت. هؤلاء المواطنون لم تحفزهم حينها ولم تقودهم الطبقة السياسية ولم تمتلك حتى القدرة على مواكبتهم وترجمة زخمهم داخل المؤسسات السياسية، بل حوّلته بإسمهم إلى تسويات لم تحقق قيّم الحرية والديمقراطية والمشاركة وعبّرت عن الخوف من حيوية تجربتهم.

الطريق نحو الطائف يُدركه الجميع……. هذا هو التّحدي الكبير للقوى السياسية الراغبة في الإستمرار وفي إعطاء المثل في عدالة وصحة التمثيل…..!!!!!!

العميد الركن خالد حماده

مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات