IMLebanon

يوم غضب أشبه برصاصة فارغة في المخّ

 

إضراب فولكلوري أو جوهري؟

 

على قاعدة “أعظم علاج لثورة الغضب أن تؤجلها” أجّل النقل البري في لبنان “غضبه” المعلن مرات، ويوم غضب خلناه مجرد “ضفدع في مستنقع”. وها نحن اليوم في موعدٍ متجدد مع “الغضب”. فهل نصدق؟ وماذا يعني غضب الإتحاد العمالي العام؟ ماذا يعني غضب قطاع النقل البري في لبنان؟ ماذا يعني لو غضبنا جميعاً من دولة فقدت كل معايير الدولة؟ وهل الغاضب يتوعد وينذر؟ أليست ساعة الغضب لا عقارب لها؟

نكذب إذا قلنا اننا لسنا غاضبين، لا بل في قمّة الغضب، الى درجة أننا لم نعد قادرين حتى على “الحراك”، فمن يُصيبه مصابنا سيعاني حتماً من متلازمة “القرف” من كل “الشعارات” وسيُصبح أشبه بتوما لا يُصدق ويشك ويرتاب بكل الخطوات. فهل نتسرع إذا قلنا لبسام طليس: عفواً، لا نصدقك؟ هو رئيس إتحاد النقل البري القادر إذا أراد أن يشلّ البلد. هو قال إنه يريد ذلك لكن بين القول والفعل مقولة “أسمع كلامك أصدقك أشوف أعمالك اتعجب”. انطلق النهار الغاضب الآتي بعد سلسلة دعوات غاضبة وصلت الى سبع. و”سبعة في عيون الحساد” في بلدٍ عائم على كلام كثير وفعل قليل.

 

منذ ساعات الصباح الأولى “تعورض” الباصات والفانات والمركبات الصغيرة وعددها على ما قيل 53 ألفا. وطليس قال “لنداء الوطن”: “حضرنا بشكلٍ “ممتاز” وسنتشارك مع كل القطاعات بفعالية”. انطلق النهار فلنر.

 

صوتُ طليس عال. وحين يبدأ الكلام يسهب في ذكر الماضي وفي الوعود التي أخذها من الدولة، وجعلته يتراجع بدل المرة مرات، لكنها لم تُنفذ. فكيف يُقنعنا أن “الدولة” ستستجيب اليوم وهي “على الأرض يا حكم”؟ يجيب “شو عنا خيار آخر؟”. كل القطاع سينزل الى الأرض. 53 ألف آلية ستنزل وتشارك بيوم الغضب. ومساء اليوم، ستلتقي نقابات اتحاد النقل وتقوّم “ما حققته” وعلى ضوئه ستُحدد تحركات الأيام الآتية. فهل نفهم من ذلك أن يوم الغضب سيكون “أياماً غاضبة”؟

 

هي وسيلة ضغط لكن على من؟ على ماذا؟ على دولة في موت سريري؟ على دولة تبحث في كيفية “تشليح” مواطنيها آخر قرش؟ على دولة ليس معها “قرش” لقرطاسية وزاراتها؟ بسام طليس طالب الشعب اللبناني بأن يشارك اتحاد النقل البري “الغضب” وهو عالمٌ انه حتى الغضب قد أصبح وراء اللبناني وجاوزه الى اليأس الكلي الشامل. هو دعا الشعب الى الإضراب والشعب “مضرب” قسراً حتى عن رغيف الخبز. فماذا سننتظر من غضب إتحاد عمالي عام واتحاد نقل بري ممسوكين، حتى النخاع، من قوى سياسية تتحدث عن “تجويع شعب” إقترفته هي.

 

إجلسوا أيها اللبنانيون اليوم في بيوتكم. واغضبوا قدر ما تشاؤون فلا أحد يبالي بكم إلا إذا “قبعتم” كل من يتحدث عن “منظومة فاسدة” وهو في قلبها.

لا ثقة

مارون الخولي، رئيس الإتحاد العام لنقابات عمال لبنان، يتابع اليوم “غضب قطاع النقل البري” الذي يعدوننا انه سيشلّ البلد ويتوقف عند جملة ملاحظات: “توصيف الحراك تحت عنوان “الغضب” غريب فالدعوات الى الحراك النقابي يفترض أن تعلن تحت تسميات وشعارات واضحة معلنة، مثل “يوم كرامة السائق” ويا ليتهم رقموه: الثامن، التاسع… أما مسألة التوقعات من عدمها حول عدد من سيشاركون من نقابات واتحادات انطلاقة مغلوطة. فالمنادون به سيكبرونه أو يصغرونه على وقع محدد كي يبقى مضبوطاً. فهم لن يفتحوه لأن أي تحرك سيبقى محصوراً لأنه يأتي، إعترفوا أم لا، ضمن تحرك سياسي وسيبقى مربوطاً بالتجارب السياسية. فكل التحركات التي تُحدد انطلاقتها وخواتيمها، بمعنى أنها ستنطلق عند الساعة “كذا” وتتوقف عند الساعة “كذا” هي فولكلورية أكثر منها جوهرية. إنها ليست إلا رسائل بسيطة مكتوبة سلفاً.

 

انطلق الحراك اليوم بشعارٍ واهٍ وغير محدد في زمن شبع فيه اللبنانيون من الشعارات ومن اتحاد عمالي “لا يهش ولا ينش”. وإذا أجرينا استفتاء بسيطاً على الأرض فسيأتي الجواب على حراك اليوم: لا ثقة. حاولوا ان تفعلوا وستجدون بأنفسكم الجواب. فكل ما له علاقة بالإتحاد العمالي العام الممسوك من السلطة فاقد، بحسب مارون الخولي، الثقة. ويقول “التضامن الشعبي سيكون حتما مفقوداً. فالسائقون لديهم بالفعل مطالب محقة لكن الثابت أن “يوم الغضب” لن يستطيع مطلقاً إشراك غضب 53 ألف صاحب مركبة. وهو لو فعل ذلك لاعتبر أكبر قوة اليوم. وعلى أكثر تقدير سيشارك 500 صاحب مركبة. أضف الى ذلك أن لا تعاطف شعبي” ويستطرد الخولي بالقول “90 في المئة من التحركات النقابية في لبنان مرتبطة بأجندا سياسية ومن يقول غير ذلك يكذب”.

 

الهم كبير

سؤالٌ يطرح، ماذا يعني اليوم “إضراب” للمطالبة بالحقوق في دولة مترهلة؟ يجيب الخولي: “واضحٌ جداً أن أي تحرك نقابي يفتقد اليوم لإمكانية الوصول الى الهدف في ظل حكومة لا تحكم. إنه أشبه بإطلاق رصاصة فارغة في الرأس. فالى مَن سيصل صوت الغاضبين؟ الى وزارة أشغال لا تملك موازنة حتى لتنظيف مطرحها؟ الى حكومة لا تجتمع؟ الى من؟ إلا إذا كان للحراك الغاضب سبب آخر، لتمرير تعرفات عالية، ومن سيدفع الثمن أولاً وآخراً هو المواطن نفسه. وهذه هي المشكلة الأهم هنا. فهل هذا ما سيتمخض عنه يوم الغضب؟ للسائقين بالطبع حقوق لكن البلد كله في العناية الفائقة فهل المواطن هو من سيتكبد معاناة المواطن الآخر؟

 

الإنتخابات لتغيير المنظومة

 

لا يخفى على أحد، لا على مارون الخولي ولا على سواه، أن ما يتاح لاتحاد النقل البري لا يتاح لسواه، فهو قادر على التواصل مع كل من في الدولة، من رأس الهرم ونزولاً. إنه يأخذ موعداً ويقصد السراي او القصر الجمهوري أو عين التينة او الوزارات وهناك من “المسؤولين” من يأتون إليه أيضاً. بسام طليس قادر على الإتصال بكل الدولة ومن يملك تلك الحظوة يفترض ان يبقى في دائرة الحوار. فالنقابات التي تنظم إضرابات هي التي يكون الحوار معها مقفلاً لا كما مع طليس حيث كل الأبواب مفتوحة أمامه لأنه جزء لا يتجزأ من تركيبة السلطة”.

 

اليوم يوم غضب لكن، في وجه مَن؟ سؤالٌ نكرره ونحن هائمون في دولة فاشلة وسلطة غير موجودة. هل صرخة الغضب هي في وجه الناس؟ هنا يتحدث الخولي عن “سيناريوات” جاهزة دائما لدى مختلف وزارات الدولة التي تدفع بعض النقابات المحسوبة عليها الى التحرك مرة او تعمل على قطع المواد الإستهلاكية من أجل أن يرفع المواطن “العشرة” ويقول لها: أمني لنا تلك المواد “قدّ ما حقا”. هنا في مسألة السائقين ستقول: إنهم يطالبون بزيادة التسعيرة ليعيشوا بكرامة. ومن سيسدد؟ طبعاً المواطن طالما هي فاشلة. وهو ما فعلته مع أصحاب المولدات وما فعلته مع شركات الغاز وما تنوي فعله بالرغيف”.

 

 

“مخّ” الدولة يعمل 24 على 24 لكن بشكل خاطئ. وهي لا تتوقف عن فبركة السيناريوات مستخدمة مطية الإتحاد العمالي العام. إذا، المواطن هو وحده الفريسة كيفما دارت الأمور وفي غياب سلطة وإحصاءات ودراسات ومشاريع وخدمات منتجة. وبالتالي اليوم، يوم الغضب، قد يكون يوماً “لتمرير تعرفة جديدة للسائقين”.

 

أمران يعنونان تحرّك اليوم: إرتباط “الغاضبين” بأجندة سياسية أو بقرار ثنائي بين السلطة والنقابات بالنزول الى الأرض لتمرير التعرفة.

 

إذا صحّ أن إتحاد النقل البري لم يتحرك إلا بعد “قبّة باط” من السلطة، فماذا تفعل الإتحادات النقابية الأخرى؟ ماذا عن خطتها للتخفيف على المواطن المثقل بكل أنواع المصائب والأزمات؟ يجيب الخولي: “نحن عالمون ان إسقاط الحكومة اليوم، تحت ستار أي حراك، معناه وداع الإنتخابات النيابية في أيار وتطيير الإستحقاق وهذا سهل. لذا، لا حلّ اليوم برأينا سوى بتغيير المنظومة الحاكمة انتخابياً. فالدولة القائمة اليوم غير قادرة على منح أي طرف حقوقه. وهو أمر لا يختلف عليه إثنان. لهذا، الحل لن يبدأ إلا بإسقاط المنظومة وبانتخابات تُطيح بكل الزمرة الموجودة في السلطة”.

 

هنا، نسأل: هل يمكن أن تلجأ السلطة إذا وجدت نفسها مأزومة الى سيناريو إسقاط الحكومة بنفسها تحت حجة حراك نقابي ما؟ يبدو أن لا أحد يستبعد حصول ذلك.

 

نعود الى بسام طليس، المشغول اليوم بالحراك النقابي، لنسأله عن دور الأحزاب في “تحريك الإتحاد”؟ يجيب “أستطيع أن أجزم أنني مسؤول عن نفسي أما سواي فلا أعرف بدليل أنني أدخل أحيانا الى اجتماع ما برأي ما وإذا أقنعني الأعضاء أعود عنه من دون العودة الى أحد. لذا فلنبنِ على المستقبل بدل أن نعيش الحزازير والإتهامات. أما الى المشككين فأقول إنني أقبل أي نصيحة عملاً بقول الإمام علي بن أبي طالب: “رحم الله امرئ أهدى إليّ عيوبي” لكن لا يجوز أن توجه الإتهامات جزافاً.