كي لا تتكرّر مأساة لبنان (12/12)
وبما أنّ «حزب الله» يُخضع القوات المسلحة النظامية الشرعية لقراره ويقاسمها السيادة على الأرض، وبما أنّ العلاقات الخارجية للبنان «الرسمي»،
بما كان الشعب اللبناني قد فَقدَ كل مقومات الحياة الكريمة وتضاءلت آماله بمستقبل مشرق،
وبما أنّ الكيان اللبناني قد فَقَدَ ماهيته،
وبما أنّ سيادة الدولة فَقَدَت معناها بفقدان المقومات الأربعة لأي دولة: سيطرتها على الأراضي اللبنانية كاملة بقواها الذاتية، سياستها الخارجية والدفاعية الحرّة من كل قيود خصوصاً في حصرية قرار الحرب والسلم بيدها، وفَرْضِ الدولة حصرياً الضرائب والرسوم، ووضع السياسة العامة للبلاد،
وبما أنّ «حزب الله» يُخضع القوات المسلحة النظامية الشرعية لقراره ويقاسمها السيادة على الأرض،
وبما أنّ العلاقات الخارجية للبنان «الرسمي» يُمليها «حزب الله» وتشكل له شماعة لاستمرار تَحكُمِّه بلبنان،
وبما أنّ «حزب الله» يقاسم «الدولة» وارداتها على المعابر الشرعية وغير الشرعية، كما أنه يدير ويرعى اقتصاداً ومنظومة مالية موازيتين للاقتصاد والمالية المرعيَّين من «الدولة»، ويقوم بتهريب المحظورات من لبنان وإليه،
وبما أنّ «حزب الله» يَتَحَّكم بالمعابر الحدودية، الشرعية وغير الشرعية، البرية والبحرية والجوية،
وبما أنّ الاستقلال مفقود وقرارات «الدولة» خاضعة إلى حد بعيد لإرادةٍ آتية من خارج الحدود، لا سيما من الجمهورية الإسلامية في إيران،
وبما أنّ الطبقة السياسية المارقة الفاشلة الفاسدة بمكوناتها التابعة لـ«حزب الله» أو التي لا يمكنها الإنفكاك عنه، أو بعض مِن مكوناتها التي تَصِف نفسها بأنها سياديّة، باتت تشكل آداةً وغطاءً لسيطرته، مقابل فتات السلطة والمال،
وبما أنّ كل الوسائل مستعملة لفرض الرأي الواحد تحت ذرائع شتى، وبما أنّ أصحاب الكلمة الحرة اغتيلوا على مدى ثمانية عشرة عاماً أو مهدّدون بالإغتيال،
وبما أنّ الفساد استفحل في الدولة العميقة وغابت المحاسبة عن أركانها،
وبما أنّ المنظومة المالية حجزت أموال المودعين، وبات الإصلاح بالحد الأدنى لوقف التدهور الإقتصادي والمالي والنقدي والإنساني المخيف متعذراً،
وبما أنّ الآليات الدستورية باتت غير مُجدية، في حين يستحيل إنتاج سلطة وطنية حرّة جديدة، وباتت مساكنة «حزب الله» في البرلمان والحكومات ومشاركته في طاولات الحوار «تشرعن وجوده» وتقوي قبضته على لبنان،
وبما أنّ لبنان في الخلاصة، بات يعيش حالة اللادولة، ويرزح تحت إحتلال إيراني يمارسه «حزب الله»، تعاونه طبقة سياسية مارقة فاشلة فاسدة،
أصبح لزاماً على أحرار لبنان أن يعملوا على خلاصه من خلال مقاومة سلمية للإحتلال الإيراني وتحريره من الطبقة السياسية المارقة الفاشلة الفاسدة.
لذا، يتوجب تأسيس «لقاء من أجل خلاص لبنان»، على أن يكون لقاءً وازناً عابراً للطوائف.
ولا بد من الإشارة بداية، إلى أن الحياد هو أساساً من صلب التكوين الاجتماعي – السياسي اللبناني التعددي. فميثاق 1943 غير المكتوب بُني على قاعدة «لا للشرق ولا للغرب»، وكلما تعرضت هذه القاعدة للإنتهاك كان استقرار لبنان يهتز وتنشب فيه الحروب أو يصبح مسرحاً لحروب الآخرين على أرضه، أو يقع تحت إحتلالات، وحوادث 1958 خير دليل على ذلك، كذلك المرحلة الممتدة من 1975 حتى اليوم، والتي توالت خلالها في لبنان سيطرة التنظيمات المسلحة الفلسطينية فالإحتلال الإسرائيلي ثم الإحتلالين السوري والإيراني.
في العام 2012 أتى «إعلان بعبدا» كعودة إلى أسس تكوين لبنان بتوافق بين الأفرقاء كافة على تحييده عن صراعات المنطقة وعدم دخوله في المحاور، وقد أن اعتُمد هذا الإعلان وثيقة رسمية في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ولكن سرعان ما تراجع عنه أفرقاء «محور الممانعة». وساهم هذا التراجع عن قاعدة الحياد مساهمة كبيرة في إيصال لبنان إلى الأزمة الحادة التي نعيشها اليوم. ويبقى الحياد كما في ميثاق 1943، السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار الداخلي المنشود ووحدة بلادنا والحفاظ على كيان لبنان. ولذا، يتوجب إقراره دستورياً وقانونياً وبضمانات دولية، كي لا تتكرر الأزمات الذي نعيشها دورياً على وقع التغيّرات الإقيلمية في منطقة غير مستقرة بامتياز.
إذا لم يتحقق إنقاذ لبنان، فسوف ترتفع حتماً حرارة الأخطار في المناطق التي لا تقع مباشرة تحت سيطرة «حزب الله»، بالإضافة إلى المربعات الأمنية التي تشكّلها المخيمات الفلسطينية ومناطق ومخيمات، النزوح السوري الخطير الذي يحمل في الأصل أخطاراً جمّة على لبنان الكيان والدولة والشعب.
في المقابل، وهذا هو الأهم، سوف تتزايد قوة «حزب الله» وبالتالي فعاليته في إطار دوره المحوري في «فيلق القدس» و«محور المقاومة» لنشر الثورة الإسلامية في العالم إنطلاقاً من المنطقة.
كما أن «صوملة» لبنان هذه، تفاقم أخطار عودة التنظيمات المتطرفة الأصولية إلى الأوساط الإجتماعية، اللبنانية وغير اللبنانية، الفقيرة والفاقدة كل أمل بحياة كريمة، وتزيد أخطار الهجرة غير الشرعية (فلسطينية، سورية ولبنانية) في اتجاه أوروبا. وهذه الأخطار حقيقية، وقد بدأت تظهر نتائجها، وفي حال استفحال هذه الحال سيضطر المجتمع الدولي والغربي والعالم العربي، وإن إلى حين، مرغمين لا مُخَّيرين إلى التدخّل لنزع فتائل التفجير.
أما الطروحات التي تقارب المشكلة الأساسية على أنها مشكلة كيان وميثاق وعقد إجتماعي-سياسي وصيغة ودستور، فهي خطيرة ومرفوضة ولا يصح طرحها إلّا بعد تحرير لبنان من الإحتلال الإيراني والتخلص من الطبقة السياسية المارقة. لذا، لا ينبغي الحوار بهذه الموضوعات تحت ضغط أسلحة الميليشيات أو من خلال طاولة مستديرة من اللصوص السياسيين اللبنانيين، وإن كانت تحت رعاية خارجية.
أما الأسس التي يجب أن يرتكز عليها أي حل للأزمة اللبنانية، فهي:
• مرجعيات اللبنانية: وهي الدستور، ووثيقة الوفاق الوطني (إتفاق الطائف 1989)، وإعلان بعبدا (2012).
• مرجعيات عربية: ينتمي لبنان إلى العالم العربي وهو عضو مؤسس لجامعة الدول العربية ويلتزم ميثاقها ومقررات قممها.
• مرجعيات دولية: وهي شرعة الأمم المتحدة، والشرعة العالمية لحقوق الإنسان، وقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بلبنان لا سيما القرارات 1559 و1680 و1701، واتفاقية الهدنة مع إسرائيل الموقّعة في آذار 1949.
خارطة الطريق التنفيذية لخلاص لبنان
إنطلاقاً ممّا تقدّم، بات واضحاً أن وضع لبنان يهدّد مصالح دول المنطقة والعالم وأن هذا التهديد على وتيرة متصاعدة. وباتت المشكلة اللبنانية ليست حصراً لبنانية، بل تحوّل لبنان إلى قنبلة موقوتة للأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم، مما يعرّض للخطر مصالح القوى الدولية والإقليمية.
من ناحية أخرى، اللبنانيون حالياً غير قادرين على حكم أنفسهم ويحتاجون إلى فترة نقاهة.
لذا، يُفترض أن يجهد اللقاء المنوي تأسيسه على تنفيذ خريطة الطريق التالية:
1) تطبيق قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701 ووضعها، إن أمكن، تحت الفصل السابع وتوسيع مهمات اليونيفيل.
2) قرار بوضع لبنان تحت إنتداب دولي وفقاً للفصلين 12 و13 من شرعة الأمم المتحدة و/أو بسبب أن «حقوق الإنسان» غير مصونة في ظل سلطة مجرمة.
في إطار الوصاية الدولية الآنفة الذكر، يجب تشكيل سلطة مؤقتة عسكرية-مدنية، مشكّلة من نخبة عسكرية ونخبة مدنية، تعلق الدستور وتعمل تحت الرقابة الدولية على تنظيف مؤسسات الدولة كافة من آثار المحاصصات والفساد بهدف العودة في مرحلة لاحقة إلى تنفيذ الدستور.
فتجرى حينذاك انتخابات نيابية وفق قانون جديد ثم انتخابات رئاسية وتشكيل حكومة، مما يشكّل تمهيداً لرفع الوصاية الدولية وتعافي لبنان السريع في كل المجالات، ولا سيما في المجالين الاقتصادي والمالي، على قاعدة إعادة ثقة الشعب وثقة المجتمع الدولي والعربي والانتشار اللبناني بالدولة اللبنانية.
النتيجة: تجديد ثقة اللبنانيين بالدولة اللبنانية، وتجديد ثقة المجتمع الدولي والعربي، والشتات اللبناني بها، مما يمهّد الطريق أمام انتعاش سريع للبنان اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وثقافياً.
عندها، تصبح الطريق معبّدة داخلياً وخارجياً لاستحصال لبنان على حياده، صوناً لكيانه ودولته وشعبه على المدى الإستراتيجي.
ويبقى كل الأمل في أن شبيبة الثورة سوف تعرف كيف تحافظ على لبنان وتمنع إعادة إنتاج طبقة سياسية مارقة بعد أن تكون السلطة المؤقتة قامت بدورها في اقتلاع آثارها في مؤسسات الدولة كافة.