لا شيء سيتغيّر في جلسة انتخاب رئيس في 8 شباط المقبل، القرار الحقيقي المتّخذ هو «لا رئيس، ولا رئاسة، ولا جمهوريّة»، والحديث عن سجالٍ بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع بعيد عن الحقيقة، فالتّعليقات والأخذ والردّ المتبادل بالأمس لا يعدو كونه «زكزكات» على الطريقة اللبنانيّة، ولا نحبّذ استمرارها لأنّ الصّامت الأكبر حتى الآن والمستفيد الأكبر منها هو «حزب الله»!!
ضربٌ من تعبئة الفراغ هو تورّط بعض الأفرقاء في خوض جدلٍ عبثيٍّ يحوّل الأنظار عن المشكلة اللبنانيّة الكبرى وهي ليست تعطيل انتخاب رئيس للجمهوريّة اللبنانيّة، بل امتلاك «ثنائيّة سياسيّة» لطائفة واحدة القدرة على تعطيل كلّ استحقاق، وعلى مستوى الرئاسات الثلاث، ولا نريد هنا أن نعود إلى أمثلة امتدّت على مدار عقدٍ كامل منذ العام 2006 حتى العام 2016 والحديث في مهزلة عدم انتخاب رئيس بعد انعقاد خمسة وثلاثين جلسة مضيعة للوقت لأنّه نتيجة، فيما المشكلة الحقيقيّة تكمن في السبب وراء هذا التعطيل!!
الإجابة الحقيقيّة عن مصير جلسة 8 شباط، وعمّن حظوظه أوفر للرّئاسه، وتوزّع الأسماء الجديّة بين ميشال عون وسليمان، وما بين مبادرة الرئيس سعد الحريري في ترشيح سليمان فرنجيّة أو مبادرة الدكتور سمير جعجع في الانسحاب لصالح ترشيح ميشال عون فالردّ على مبادرة الرئيس الحريري سبق الردّ على مبادرة جعجع وعلى لسان الرئيس نبيه بري في 16 كانون الأوّل 2015 عندما تناقلت الأنباء أنّه «أبلغ الرئيس سعد الحريري ومن يعنيهم الأمر بأنه سيتوقف عن المشاركة بنوّاب كتلته النيابيّة في جلسات انتخاب الرئيس كما فعل منذ 31 جلسة انتخابية، ما لم يكن نواب «حزب الله» إلى جانبهم داخل القاعة العامة»!!
وموقف الرئيس نبيه برّي هذا، جاء قبل موقف حزب الله من مبادرة ترشيح سليمان فرنجيّة ومن بكركي تحديداً ويومها عنونته بعض الصحف الناطقة بلسان حزب الله بأنّه «ملتزمون عون ونقطة على السطر»، ففي 29 كانون الأوّل صرّح ابراهيم امين السيد رئيس المجلس السياسي من على باب بكركي «السياسة بالنسبة إلينا هي أخلاق، وليست كذباً ومناورات. وبالتالي، عندما التزمنا مع الجنرال عون في ترشيحه للرئاسة، بالنسبة إلينا، لا نستطيع أن نتحلل أمام أي معطيات جديدة أو أمام أي مفترق سياسي جديد»، الأمر الوحيد الذي لم يخطر لحزب الله يومها أنّ الدكتور سمير جعجع قد يُقدم على سحب ترشيحة للرئاسة لصالح مرشّح حزب الله تحديداً ميشال عون، وهذا الترشيح وإن لم يكن مناورة من قبل جعجع إلا أنّه شكّل «حَشْرَةً» غير مسبوقة لحزب الله على مستوى تعطيله للرئاسة منذ عام وثمانية أشهر بحجّة المرشّح الأوحد العماد ميشال عون، لو كان ابراهيم امين السيد يدري أنّ هذا الأمر سيحدث لما ختم تصريحه بذلك التحدّي: «الاستنتاجات (بأن حزب الله لا يريد إجراء الاستحقاق الرئاسي) التي يتسلى بها السياسيون في لبنان، لا قيمة لها، فليجرّبوا، وليصلوا مع الجنرال عون إلى موقف يقول فيه إنه لا يريد الاستمرار في ترشحه، عندها فليختبرونا إذا كنا نريد أن يكون هناك رئيس أو لا»، وها قد وصلنا!!
هنا، علينا إحالة القارئ إلى نقطتين، الأولى يعود تاريخها إلى 15 آب 2015 وهي شبه سجال مستور بين أمين عام حزب الله حسن نصرالله والجنرال ميشال عون بعد كلام لنصرالله في مهرجان «النصر» في ذكرى حرب تموز من وادي الحجير عندما قال: «لا نقبل أن يكسر أو يعزل أي من حلفائنا، خصوصاً الذين وقفوا معنا في حرب تموز ووضعوا رقابهم مع رقابنا ودماءهم مع دمائنا(…) لن تستطيعوا أن تعزلوا العماد عون أو تكسروه، وهو ممر إلزامي لانتخابات الرئاسة ولا يمكن أن تعزلوه» وبعد وصف «الممرّ الإلزامي» غضب ميشال عون وفي بيان اجتماعه الأسبوعي ردّ على هذا الوصف في 19 آب 2015 بالقول: «كلمة ممرّ في قاموسنا واضحة، الممرّ الرئاسي مُقفل وحرّاسه الميثاق والدّستور والقانون، الممرّ الحكومي حرّاسه هم هم، والفرصة متاحة إذا صفت النيات، الممرّ النيابي حرّاسه هم هم، والسعي قائم بجدّ إذا صفت النيات أيضاً لتفعيل المجلس النيابي»… يومها اضطر أمين عام حزب الله حسن الله لتصحيح موقفه وعبارة الممرّ الإلزامي فأطلق كلاماً ـ وفي نفس التاريخ ـ خلال استقباله لوفدٍ لمناسبة انطلاق عمل «جامعة المعارف» قال فيه: «لا تغيير ولا تعديل في موقفنا بشأن الانتخابات الرئاسية (…) رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون هو مرشّح طبيعي ومرشح قوي وله قاعدة تمثيل عريضة، ونحن كنّا وما زلنا وسنبقى ندعم هذا الترشيح. وعبارة الممرّ الإلزامي للانتخابات لا تقدم ولا تؤخّر ولا تغيّر ولا تمسّ ولا تضعف من قوة هذا التبنّي وهذا الالتزام»!!
أما النقطة الثانية فيعود تاريخها إلى 10 كانون الأوّل من العام 2014 وبعد مئتيْ يوم من الفراغ الرئاسي وعقب تأجيل الجلسة 16 لانتخاب رئيس للجمهورية وخلال مؤتمر صحافي عقده المرشّح الرئاسي الدكتور سمير جعجع في معراب قال فيه: «لست متمسكاً بترشحي (…) نحن نحتاج الى الوقت، وانطلاقاً من هنا أدعو العماد عون مجدداً إلى التفاهم على رئاسة الجمهورية، وهو بالأمس دعاني لزيارة الرابية وهي دعوة أرحّب بها، وأنا مستعد لزيارة لبنان بأكمله شرط أن يكون هناك اقتراح جدي لانتخاب رئيس للجمهورية».
لا رئيس لا في 8 شباط، ولا في 6 شباط ولا في 14 شباط، لا رئيس ولا رئاسة، والأرجح أنّ خيار حزب الله هو لا جمهوريّة لبنانيّة أيضاً، فلا يُضيعنّ أحدٌ الوقت ويُضيع البوصلة بالتصارع بين مبادرة الرئيس سعد الحريري التي أفضت إلى حائط مسدود اختصره قياديّ في الحزب الإشتراكي قال في مجلس خاص: «لقد أدينا قسطنا الى العلى وسعينا الى إنقاذ رئاسة الجمهورية من الشغور، ولسنا مسؤولين عن العقبات التي أخذت تظهر الواحدة تلو الأخرى ضد ترشيح النائب سليمان فرنجية»، ولا بين مبادرة الدكتور سمير جعجع وترشيحه للجنرال ميشال عون، فجديّته في إنقاذ الرئاسة تعود إلى نهاية العام 2014، المشكلة الحقيقيّة تكمن في حزب الله الذي يختطف لبنان ورئاساته الثلاث ومصير كيانه وبقائه كما اختطف في الثمانينات الطائرة الكويتيّة الجابريّة!!