لا يعتبر الخلاف بشأن أراضي البطريركية المارونية وأهالي بلدة لاسا موضوع الساعة، فقضية العقارات المتنازَع عليها في هذه المنطقة تعود الى أكثر من 70 عاماً، علماً أنّ الدماء وصلت الى «الركب» فيما خصّ الخلافات على أملاك الطوائف والمذاهب في لبنان.
لاسا ليست قضية عرضية او تكتيكاً سياسياً عابراً، بل هي قضية محورية مُستندة الى ما يعتبره البعض حقهم وانّ بلاد جبيل وكسروان ملكهم، وهنا تكمن الخطورة، فإذا لم يتدارك المعنيون الوضع سيصبح هناك خطورة على العيش المشترك في جبيل.
تعود مناسبة فتح هذا الملف الى الحادثة الاخيرة التي وقعت في البلدة. وفي التفاصيل، فقد اعترض الشيخ محمد العيتاوي وعدد من أبناء البلدة الشيعة على المسّاح فادي عقيقي، عندما كان يضع «شَقلات» على العقار المتنازَع عليه في البلدة، والذي تعود ملكيته الى أبرشية جونية المارونية.
وفي غضون ذلك، كان قائد سرية جونية في قوى الأمن الداخلي العقيد جوني داغر قد حضر الى المكان وعمل على ضبط الوضع وحَلحلة اعتراض العيتاوي والأهالي.
تزامناً، عقد اجتماع في البلدة ضمّ القيّم الأبرشي على وَقف لاسا في الأبرشية الأب شمعون عون، والشيخ العيتاوي والمسّاح عقيقي. وتمّ الإتفاق على عدم القيام بأعمال على العقار المذكور إلّا بعد مراجعة المرجعيات المعنية، علماً أنّ العقار قد تمّ مسحه منذ مدة والمسّاح كان يقوم فقط بوَضع «شَقلات» للعقار، وهي المرة الثانية في هذا الأسبوع التي يمنع فيها من وضعها.
وفي السياق يروي أحد ابناء البلدة المسيحيين لـ»الجمهورية» أنها «ليست المرة الاولى او الاخيرة التي يمنع فيها التصرّف بالعقار، فهذا الأمر بات مألوفاً عندنا».
لا يلوم المسيحيون في لاسا أهالي المنطقة فقط، بل يأسفون للإهمال الكبير وعدم الجدية في التعاطي من قبل المطرانية المارونية. ويقول أحد ابناء البلدة لـ«الجمهورية»: «لا أحد يقف في وجه المُعتدين على أراضي الكنيسة المتروكة، ويمكن لأيّ كان ان يسيطر على مساحة إضافية قرب منزله، من دون ان ينتبه إليه أحد».
وتشير المعلومات الى انّ هناك مراقبين للمطرانية في بلدة أمز، وهم يعلمون المطرانية عندما تباشر «الجبّالة» العمل في اراضيها، والتي تتصل بدورها بقوى الامن.
ويعلّق المصدر قائلاً: «لا أعلم أين يكون المراقبون عندما يضعون الاساس والحديد والاحجار والعواميد؟» عائداً بذاكرته سنتين الى الوراء، قائلاً: «اتخذت الكنيسة وقتها قرار المسح بمؤازرة القوى الامنية، فحضر فوج المجوقل الى المكان، فاستقبله الشيخ العيتاوي برفقة عدد من النساء اللواتي كنّ يحملن العصي، والرجال تمركزوا خلفهنّ. وبالطبع لم يستعمل العناصر العنف مع النساء، وبالتالي أفشلوا عملية المسح».
ويتابع: «الجماعَة طماعون وكلما التقينا بهم يقولون لنا: «هالأرض كُلّا لنا، كُلّا لنا». كما انهم «يُهَشّلون» كل فرد يأتي الى لاسا للقيام بالمشاريع». سائلاً: «بأيّ حق يوقفون المسّاح؟ لماذا لا يلجأون الى القانون؟».
يعتبر بعض اهالي لاسا المسيحيين انّ «أراضي المطرانية اغتصبَت، وانّ البعض يتصرف كما يشاء غير آبه بالدولة او بالقانون، ويتغطّى وراء حزب مسلّح يفرض قوانينه ويشرّعها، واذا استمر الوضع على حاله قد يتحوّل من مشكلة عقارية الى فتنة طائفية».
الى ذلك، يشير منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار الدكتور فارس سعيد لـ»الجمهورية» الى أنّ «الجدية الوحيدة للتعاطي في هذا الموضوع هو ان تطالب الكنيسة المارونية بصفتها المالك، الى جانب الدولة اللبنانية، بتنفيذ القانون اللبناني، واذا كان هناك من اعتراضات من قبل الاهالي يجب ان يذهبوا الى القاضي العقاري ليدقّق في الموضوع، امّا الجلوس حول طاولة واحدة مع الاهالي تحت عنوان إيجاد تسوية فيضرّ ولا يُنتج حلاً».
وكانت قد برزت أخبار جديدة في موضوع لاسا مفادها أنّ اعمال المساحة والتحديد حصلت في العام 1936 في زمن الانتداب الفرنسي حيث كان هناك في هذه المرحلة، أرجحية سياسية لمصلحة فريق، وانّ هذا الموضوع يجب ان يعاد النظر فيه. وفي هذا الاطار يقول سعيد: «هذا الكلام خطير، لأنّ ذلك يعني انه يجب إعادة النظر بمساحة كل لبنان وليس فقط في لاسا»، مطالباً «الدولة اللبنانية والمعنيين بتنفيذ القانون، وان تبتعد الكنيسة عن «التسوية».
الى ذلك، اجتمع أمس عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب سيمون أبي رميا مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، وبحثا في عملية المسح العقاري في لاسا وأهمية دور قوى الأمن الداخلي على هذا الصعيد.
وأشار ابي رميا لـ«الجمهورية» الى أنّ «هذا الموضوع عند محافظ جبل لبنان الذي اتخذ على عاتقه متابعته. ومع التغيّرات التي جرت حديثاً على صعيد البلديات والمخاتير، عقد الاسبوع المنصرم اجتماع مع الفعاليات المنتخبة حديثاً للبحث في هذا الموضوع».
وأضاف: «نحن نحاول تهدئة الامور، وكنتُ قد بحثت مع اللواء بصبوص بمواكبة قوى الأمن لعمليات المسح بُغية منع أي اعتداء».
في غضون ذلك، استقبل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان وفداً من أهالي بلدة لاسا الذين عرضوا الخلافات العقارية والمشاكل التي يعانونها، وتحدث باسم الوفد الشيخ محمد العيتاوي قائلاً: نريد العيش المشترك، وعرضنا لسماحته شكوى ما نتعرّض اليه من افتراء في لاسا على مستوى الاوقاف والاملاك الخاصة وما نتعرّض اليه من افتراءات في وسائل الاعلام ومن وَصفنا خارجين عن القانون ونحن نصرّ على اننا تحت القانون جميعاً، ونريد ان يبقى هذا الملف في مكانه في القضاء.
كلّ طرف يأخذ حقه في القضاء». بدوره، شدد قبلان على ضرورة العيش، وكان قد اتصل بالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي متمنياً عليه «التعاون لحل قضية لاسا وإعطاء كل ذي حق حقه»، واكدّ الراعي انه سيتابع هذا الملف فور عودته من جولته الخارجية.
قد تكون قضية لاسا أو «السطو المنظّم على أملاك البطريركية المارونية»، مشهدية مُصغّرة عن فشل الدولة وخضوعها للواقع وتنازلها عن أبسط حقوقها في ما يخصّ حماية الملكيات الخاصة كما العامة، من هنا ضرورة الاحتكام الى القانون، الذي يشكّل الوسيلة الفضلى لحلّ المشكلة في لاسا، أمّا عكس ذلك فهو تأجيج للصراع المذهبي.