حرص النائب روبير فاضل على أن لا تكون استقالته من مجلس النواب مجرد عملية استعراضية لتبريد أجواء سياسية معينة، أو لاكتساب عطف شعبي، بل سعى إلى أن يقرن القول بالفعل. فبعد إبلاغه الرئيس نبيه بري باستقالته شفهياً قبل ثلاثة أسابيع، قدّمها يوم أمس خطياً الى أمين عام مجلس النواب عدنان ضاهر، الأمر الذي يُلزم الرئيس بري، بحسب النظام الداخلي لمجلس النواب، أن يتلوها في أول جلسة عامة لكي تصبح نافذة بشكل تلقائي.
يقرأ النائب فاضل استقالته بمنظار رجل الأعمال، فانعدام الانتاج واستمرار الخسائر في أي مؤسسة يؤدي حتماً الى الإقفال، وهو بات مقتنعاً بأنه نائب غير منتج في ظل تفكك الدولة وشلل المؤسسات الدستورية، والصراعات السياسية، ووضع العصي في دواليب قطار التنمية والإنماء، وهذا من شأنه أن يعرّضه لخسارة ثقة الناس، وهي برزت بوضوح في الانتخابات البلدية في طرابلس التي خسر فيها تحالف القيادات السياسية مجتمعة، لذلك وأمام هذا الواقع فإن الاستقالة تبقى الخيار الأنسب لوقف حالة التدهور الحاصلة.
دخل النائب روبير فاضل الى الندوة البرلمانية في العام 2009، عن مقعد الروم الأرثوذكس في طرابلس، خلفاً لوالده النائب الراحل موريس فاضل، وشارك مع زملائه النواب في تأسيس «جمعية التضامن الطرابلسي»، وافتتاح المكتب المشترك الذي شهد سلسلة اجتماعات على مدار سنتين، نتج عنها وضع خطة إنمائية لطرابلس توفر تدريجياً نحو 20 ألف فرصة عمل، لكن كل ذلك تلاشى مع الخلاف السياسي الذي أعقب سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري.
وبرغم انشغالاته الكثيرة وسفره المتكرر، لم يغب فاضل عن طرابلس، بل حضر في المدينة من خلال فريق عمله، ومكتب والده الخدمي الذي حرص على أن يبقى مفتوحاً، وهو عمل على تنظيم نشاطات نوعية، لجهة إطلاق «جائزة موريس فاضل» لتقديم أفضل مشروع شبابي والتي استمرت لسنوات، وتنظيم يوم طرابلس خالية من السيارات برعاية رئيس الجمهورية، ومساهمته في تسجيل نحو ثلاثة آلاف طالب في المدارس الرسمية في كل عام، إضافة الى دعم جمعية «رواد التنمية» التي أسستها عقيلته هلا، وهي قدمت سلسلة مشاريع مشتركة بين التبانة وجبل محسن.
كما تقدم فاضل خلال ولايته بسلسلة مشاريع قوانين الى مجلس النواب وكان آخرها مشروع إزالة الفقر والعوز المدقع في لبنان والذي دخل في متاهة اللجان النيابية، وشارك في جلسات الحوار واللجنة النيابية لمناقشة قانون الانتخابات، وكان في عداد الوفد النيابي الذي سافر الى واشنطن.
لم يصوّت فاضل على التمديد الأول لمجلس النواب، لكنه حضر جلسة التمديد الثاني وصوّت لمصلحته وأعلن بعدها مباشرة تخليه عن راتبه.
يضحك النائب فاضل عندما يسمع أن استقالته جاءت احتجاجاً على نتائج الانتخابات البلدية في طرابلس، وتحديداً على عدم فوز المرشحين المسيحيين، هو يعلم جيداً أن المسيحيين نالوا أصواتا أكثر من المرشحين الاسلاميين، ويعلم أيضاً أن طرابلس لم تصوّت طائفياً، وهو يعرف مدينته وانفتاحها وتنوّعها، ولكن شعوره بأن الناخبين في طرابلس حاسبوا قياداتهم السياسية وسحبوا ثقتهم منهم، إضافة الى كل التراكمات السياسية السابقة، جعل نتائج الانتخابات بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، فلم يجد أمامه طريقاً سوى الاستقالة.
لا يخفي فاضل أنه يرفض أن يكون شاهد زور على انهيار الدولة والكيان، وأنه لم يستطع أن يقوم بخطوة إيجابية واحدة لا في مجلس النواب، ولا في التشريع، ولا في اللجان النيابية، ولا في طاولة الحوار، وأنه كلما فتح ثغرة، أو عمل على تذليل عقبة، تظهر العديد من العراقيل حتى طفح الكيل من هذا الوضع برمّته.
يؤكد فاضل أن استقالته من مجلس النواب، لا تعني استقالته من الحياة السياسية، بل هو مستمر في العمل العام، ويعتبر أن العمل السياسي من خارج أطر المؤسسات هو أفضل وأجدى، وقضيتي اليوم هي إصلاح المنظومة السياسية في لبنان، والعمل مع مَن يشبهني من أجل تحسين الأداء السياسي ووقف الانهيار، وقريباً جداً سنترجم ذلك من خلال سلسلة نشاطات. ويقول فاضل: يجب أن تكون لدينا ثقافة المسؤولية، فمن يسير في شوارع طرابلس يعلم لماذا استقلت، ومَن يعش واقع المؤسسات واللجان وهيئات الحوار في بيروت، يعلم أيضاً لماذا استقلت، وكل مَن لديه ضمير حيّ لا يستطيع أن يسكت عن اغتيال الإنماء في طرابلس، كما لا يستطيع أن يسكت عن اغتيال مشروع الدولة وفكرة لبنان.
يؤكد روبير فاضل أنه إذا بقي الوضع على ما هو عليه، وإذا شعر بأنه لن يستطيع أن يفعل شيئاً على صعيد السياسة والإنماء، فإنه لن يترشّح للانتخابات النيابية المقبلة، أما إذا تبدّلت الأمور، فعندها لكل حادث حديث.