Site icon IMLebanon

«روبن هود» في لبنان!

 

سيداتي آنساتي سادتي، إنه لمن دواعي سرورنا أن نرحّب بكم بيننا، وانه لشرف عظيم أن نجتمع فيكم في مطلع الألفية الثالثة في قرون لبنان الوسطى وفي عصوره المظلمة.

 

ويهمّنا في هذه المناسبة العزيزة، أن نتوجّه بالشكر من القلب لكلّ رجل سياسة وزعيم، ولكلّ مسؤول تسلّم مركزاً في دولتنا منذ عام 1990 حتى اليوم. ولا بدّ من أن نشدّ على يد كلّ واحد فيهم، وندعو لهم بالعمر المديد والصحّة الدائمة، ونثمّن جهودهم ومثابرتهم لإيصال لبنان إلى هذه المرحلة المتقدّمة من التعتير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ولا يسعنا سوى أن نشملهم جميعاً، ونخاف تسميتهم حتى لا ننسى أي واحد فيهم ونظلمه على هذا العمل الدؤوب والمتواصل منذ انتهاء الحرب الأهلية لجعل لبنان أشبه بأوروبا في القرن التاسع والعاشر.

 

ولا شكّ في أنّ ما استطاعوا تحقيقه عجزت عنه أسوأ الديكتاتوريات في العالم، وفشلت في إنجازه أكثر الدول تخلّفاً، وخجل أكثر رجالات العالم فساداً وجهلاً من إيصال دولهم إليه. ويا له من إنجاز عظيم، أن يصبح لبنان، الذي كان يوماً منارة ومقصداً ويُضرَبُ به المثال بالسياحة والاقتصاد والانفتاح، دولة تعيش في زمان ومكان غريبين تماماً عن حال الكرة الأرضية في عام 2020.

 

شعوب الأرض تنتفض لحقوق الإنسان والحيوان، وتثور من أجل العدالة الاجتماعية… شعوب تتنافس على الابتكارات والاختراعات واكتشاف الأدوية والعقاقير، وتتسابق للسير على القمر والمريخ، ونحن اللبنانيين ما زال الألوف بيننا يتدافعون لتلميع صرماية الزعيم الذي حَوّل طرقاتنا بركَ وحل، وأكلنا سمّاً وأمراضاً، وهواءنا تلوّثاً وسرطانات، ومياهنا علقماً يأتينا بالتقطير، وثقافتنا علباً طائفية مصابة بالطاعون، وأحلامنا أبواباً موصدة وآفاقاً مسدودة، وغذاؤنا فتاتاً يتساقط عن طاولة الزعيم التي تتزاحم عليها ملفّات الفساد والسرقات.

 

ربما لا ينقصنا في هذه المرحلة سوى اختفاء السيارات ومحلات الملابس، وظهور بضعة حمير وبغال، ونصبح فعلياً في القرون الوسطى… الدوق والدوقة والحاشية يعيشون في القصور، والفلاحون، أي نحن، نجوب الشوارع بحثاً عن عمل أو لقمة أو شربة ماء، وفي أفضل الأحوال نستغيث بظلّ حائط أو شجرة يخفّف وهج تعاستنا الشارقة مثل شمس الحقيقة التي مَلّت أجسادنا وأرواحنا ونفسياتنا من أوجاعها.

 

جميع أولئك الذين يقرأون أخبار لبنان في الخارج، أو يشاهدون حاله من شاشة التلفزيون، يشعرون كأنهم يتابعون فيلماً وثائقياً تاريخياً عن شيء انقرض منذ عشرات القرون، كأنهم يتابعون قصّة درامية عن شعب عاش منذ مئات السنوات… وكلّما حاولوا التعاطف معه، يتذكّرون أنّ هذا مجرّد فيلم وهذه مجرّد شخصيات خرافية، ولا يمكنهم تصديق أنّ ما يحصل مع الشعب اللبناني من الطبقة الفاسدة الحاكمة يمكن أن يكون واقعياً أو حقيقياً في هذا الزمان.

 

وليكتمل المشهد السوريالي، ولنكن فعلياً في القرون الوسطى، تنتشر محاكم التفتيش الطائفية الجاهزة لتكفير الخارجين عن ثوب العقيدة وتحليل دم كلّ من يتجرّأ على مخالفة مزاج رجال الدين… هذا بالإضافة إلى تحكّم الإقطاعيين ومرتزقتهم بمقدّرات الأرض ومحاصيلها، واستيلاء قطّاع الطرق على معابر التهريب بالترهيب، واستحواذ حفنة من الأسياد الأثرياء على أموال الدولة والمواطنين.

 

ولا ينقصنا الآن سوى «روبن هود»، لا ينقصنا سوى هذا البطل الذي يخرج من بيننا ليسرق من الأغنياء من أجل إطعام الفقراء، ليحارب الظلم والطغيان، وليجمع حوله عصابة من الخارجين عن القانون يكون كلّ واحد وواحدة فينا عضواً فيها. نجتمع في الليل والنهار، ونخطّط ونهندس وننظّم غضبنا لاسترداد أموالنا المسروقة، وأحلامنا المنحورة، وصحتنا المهدورة، وطموحاتنا المغدورة، ودولتنا المنكوبة. هؤلاء السارقون الطغاة فعلوا كلّ شيء لإعادة لبنان إلى القرون الوسطى، لكن أين روبن هود؟… ومن هو روبن هود؟

 

أنا روبن هود، وأنت روبن هود، وكل واحد فينا روبن هود… جميعنا قادرون أن نكون أعداء الفساد والظالمين ومناصرين للفقراء والمظلومين.