يجلس على كرسيه الخاص ويُمسك بمطرقته ويقرأ كتاباً يومياً
هنا إده. هنا بلدة إميل إده وريمون إده وميشال إده وكارلوس إده وروجيه إده. ندخل إلى منزل الأخير المنبسط بين تلال ووديان فنرى منزلاً عابقاً بلون الطبيعة الخضراء والورود والرياحين. هنا يعيش روجيه إده وزوجته الست أليس (كما يناديها). وهنا في هذا البيت المتجذر في التاريخ قابلناه لسؤاله عن بعض محطاتٍ من تاريخٍ حديث كان شاهداً عليها. جلس على كرسي كبير – كما كرسي أصحاب الفخامة – وانطلق في السرد غير التقليدي. هو رجل فعل أشياءً وغابت عنه أشياء. هو «إدّاوي» عينه على رئاسة الجمهورية و»تفو عليها». هو رفيق ميشال عون في الأيام الصعبة لكنه «صُدم به فابتعد». هو صديق الزعماء الدوليين، والثري الذي عرف «من أين تؤكل الكتف». وهو باني إمبراطورية مالية ليس لها وريث و»عدم الإنجاب» قراره. حوارٌ معه:
عدد الصالونات في منزله الذي عمره أكثر من 1200 عام يزيد على عدد أصابع اليدين لكنه يختار أن يجلس على كرسي، ذات ظهر عالٍ وتصلح لأصحاب الجلالة، صُنعت خصيصاً له. ويتكئ على وسادة عليها إسمه والى جانبه مطرقة قدمها له بوريس جونسون في هذه الزاوية من منزله، يرتاح. لكن أليست الراحة الكبيرة تجعل الواحد يتراخى؟ يجيب: «أرتاح لكن لا أستريح. ويستطرد: ولدت هنا. نحن بيت إده من عشائر الهوازن أشهر عشائر العرب. الرسول هوازن. جئنا الى هنا يوم حدثت مجزرة الرهبان في مار مارون فطلبوا النجدة من هوازن مكة الخلدونيين. مكة كانت مسيحية مع أقلية يهودية. وفي القرن السابع أسسنا هنا أمة مار مارون. كنا حماة الكنيسة حين هجم المماليك وطردوا البطريركية الى يانوح. نزلنا بعدها الى الشاطئ وتوزعنا في لبنان وتخفينا نحن في إده باسم كنية إده حيث مركز ملوك فينيقيا. كنية حبيش أيضا من الخوازن. وبيت الملاط من العائلة من إده. وهناك مفرق في البلدة إسمه كوع الملاط تيمنا بشخص من العائلة «مَلَط» رأس ضابط ضرائب عثماني وهرب وأصبحت كنيته الملاط». يسهب في قراءة تاريخ عائلات أتت من مكة من نفس العائلة لا من نفس الجب «فنحن خوري إده أما العميد ريمون إده فهو البدوي إده وميشال إده من شوام (الشام) إده لأن سليم إده والد ميشال إده كان رئيس بنك سوريا ولبنان».
نحن فرنسيون
تزعّم العائلة الرئيس إميل إده «لأنه كان محامياً ناجحاً وحين تأسس لبنان الكبير عام 1920 كان له نفوذ في فرنسا». ويستطرد: «نحن لدينا الحق بالجنسية الفرنسية عفواً بلا طلب.آخذها تعصباً لكن كل من عملوا لديّ أعطيتهم الجنسية لأننا، في الاساس، فرنسيون منذ أيام القديس لويس الذي ناصرناه. جدي هو الخوري يوسف إده. ووالدي هو جان إده – رئيس مرفأ بيروت سابقاً – ووالدتي تريز التي حملت بعمر الخمسين بطفل جديد فأصبحنا ستة أولاد. أنا الكبير ثم بول وجوزف وفادي وكونستونس وميرفانا. وكان هناك تقليد في العائلة أن يكون هناك كاهن في كل عائلة أو اكثر لكن جيلي هو الأول الذي لا يعطي كاهناً بعدما رفض شقيقي جوزف – وهو الذي كان الاصغر قبل مجيء فادي – ذلك. ثار على التقليد وسافر الى فرنسا واصبح ماركسياً. نحن تاريخياً أول شجرة في العائلة لا كاهن بين أفرادها. وعمتي راهبة قتلت في مجزرة مزيارة أيام سليمان فرنجيه».
تأثر روجيه إده بحزب الكتلة الوطنية وإميل إده «كنت بعمر أربعة عشر عاماً في أشبال الكتلة ثم بعمر الثمانية عشر عضواً في مجلس حزب الكتلة. واستمريت ناشطا فيها ودخلت مراراً الى السجن ونظمت تظاهرات بينها تظاهرة الحمراء في العام 1964 التي فرضت على الأميركيين إرسال رسالة الى فؤاد شهاب تسأله فيها من يريد رئيسا خلفاً له. ورد في الرسالة إسم عبد العزيز شهاب في المرتبة الأولى ثم ريمون إده وجاء في الترتيب إسم شارل حلو عاشراً. لكن فؤاد شهاب أنزل الى رقم عشرة عبد العزيز شهاب ورفع الى رقم واحد شارل حلو فأتت كلمة السر: شارل حلو رئيساً. هو من أقارب والدتي».
الأمّة المارونية
يتذكر روجيه إده يوم كان بعمر الثمانية أعوام (هو من مواليد العام 1941): «إستدعاني جدي وأخبرني أن الرئيس إميل إده توفي (1949) وقال لي: إميل إده جسّد الأمة المارونية وأن لبنان «مارونيا» (Maronia) من مسؤوليتي. ومنذ ذاك الحين أصبح هذا الكيان حياتي وقضيتي لا أكثر ولا أقل. ونحن لسنا طائفة بل أمّة».
لكن، هل يمكن لطفل بعمر 8 أعوام أن يفهم كل ذلك؟ أليس في الأمر مبالغة؟ يجيب: «لا تتصوري كم فهمت ذلك في حينها. أهل والدتي كانوا دستوريين وكنا في كل سنة إنتخابية لا نستقبلهم ولا نزورهم لأنهم خانوا القضية. الدستوريون إنضموا من خلال الشيخ بشارة (الخوري) الى الجامعة العربية ويومها أعلن البطريرك أنطوان عريضة الحرم عليهم علما أن بطرس بطرس غالي أخبرني أنهم حين أنشأوا الجامعة العربية أنشأوا مشروع الحياد واستثنوا منه لبنان كي لا يكون عضواً عادياً بل إستثنائي. بدلوا يومها القوانين والأنظمة كي لا يزعجوا لبنان».
الطفل روجيه إده كان لا يمازح أحداً «كنت ألعب الكرة ولا أتعاطى مع الآخرين. لم يكن لدي أصدقاء. هكذا ربوني أهلي. وهذا كان طبيعياً بالنسبة لي. لكن، حين كبرت عوضت ذلك (يضحك كثيراً لذلك).
يمسك بالمطرقة ثم يضعها جانباً ويتابع: «حزب الكتلة الوطنية هو حزب الرئيس إميل إده لا سواه. إميل إده وريث الأمّة المارونية. أسس الحزب عام 1949. نحن الحزب. نحن من مدرسة الرئيس إميل إده. هذه هويتنا».
هل حمل بطاقة حزبية؟ يجيب بتهكم: «أنا الكتلة. كنت حين أدخل يعتلون هماً لما سأقوله لأنني لم اكن أساوم أبداً». لكنه عاد وترك الكتلة، أليس كذلك؟ يجيب: «صحيح غادرت الكتلة في العام 1983 لكنني روحياً بقيت فيها. كارلوس (إده) عرض علي لاحقاً (رئاسة) الحزب لكني رفضت ذلك». لماذا ما دام يعشقه؟ يجيب: «إعتذرت لأن لا إفادة منه. هو لا يستطيع اليوم أن يأتي بدكنجي. والشباب (الذين آل إليهم الحزب اليوم) أوادم لكن خطهم ليس خطنا. نحن خطنا إميل إده. وطالما ناقشتُ ريمون إده لأنهم لم يكملوا مسيرة الوالد إميل وتركوا الحزب ينهار».
الحياد
ماذا حصل مطلع الثمانينات وجعله يترك الحزب؟ يجيب: «كنت يومها، عام 1981، أقوم بمعركة ريمون إده الرئاسية. وأصرّ العميد أن يعطيني منصب أمين عام معاون. كنت أسوّق برنامجه في واشنطن وباريس. قلت له: سنقدم خيار السلام لترشيحك واليوم الظرف مؤات لك. فلنطرح خياراً بديلاً عن الخيار الذي سيطرحه بشير الجميل. قمت بحملة للحياد بالتنسيق مع «العميد» واعلنت مبادرة حياد لبنان. قال لي فيليب حبيب (الدبلوماسي الذي لعب دوراً في لبنان آنذاك) إن رونالد ريغان لديه إستراتيجية إسقاط الإتحاد السوفياتي ولا يريد أن تمشي أوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى في خيار الحياد بل يريد أن يأتي بهم الى الحلف الاطلسي. وأخبرني حبيب أنه شرح له أن وضع لبنان إستثنائي لكنه يريد موافقة خطية من المملكة العربية السعودية، عبر البريد الدبلوماسي، بذلك. أمنتها له. وفي أواخر عام 1981 أتيت الى باريس ووضعته في الصورة وأنهم وافقوا على دعمه لكن علينا أن نبقى حذرين. كان ذلك في كانون الأول. وفي نيسان أبلغت عبر وزير الخارجية الأميركية ألكسندر هيغ أن الأمور تغيرت وهناك قرار حرب مداه أربعين كيلومترا من دون تجاوز لطريق الشام، وقد وضعت سوريا في الصورة. هي حرب محدودة ستكون مناسبة لإطلاق مبادرة سلام. وأخبرني أن بشيراً أصبح عند الاميركيين. وضعت ريمون إده في الصورة فارتاح. لكنهم في العام 1982 لم يحترموا الإلتزامات. إنتخب بشير رئيساً ويوم إغتيل إتصل بي ريمون وقال لي: تعال الى باريس لأنني أنوي إعلان ترشحي. سألته: لماذا؟ أجابني: أريد أن أرد الإجر الى كميل شمعون رداً على موقف سابق منه. حصل ذلك بعدما كان هنري كيسنجر قد صرّح في واشنطن أن لديهم مرشحاً طبيعياً إسمه كميل شمعون. حينها قلت للعميد: سأفعل ذلك وأدعمك وإذا «مشي الحال» مع الحياد عظيم وإذا لا فسأتحمل أنا تبعات نتائج عدم تطبيقه وأخرج من الحزب. وهذا ما حدث. خرجت من الكتلة وكان العميد في الصورة الكاملة لذلك».
دعم عون
خرج من حزب ودخل في حزب. في العام 2006 أسّس حزب السلام ويقول «في العام 1987 ترشحت الى رئاسة الجمهورية. وكانت حظوظي مئة في المئة (نسبة مبالغ بها) لأن السنّة دعموني والرئيس حسين الحسيني خاض معركتي. والرئيس تقي الدين الصلح أيضا. ويستطرد بسؤال: هل تعرفين على ماذا تعرقلت؟ لأن الأزمة مع ميشال عون حصلت بعدما قيل لنا ان نتكلم مع ميشال عون لأن سوريا ترى ان قائد الجيش هو المرشح الطبيعي والشيعة سيمشون به. يومها زرت عون وقلت له: الإتكال عليك. كان هذا لقائي الأول به. كان ناجحاً. ورافقني الى الخارج ومن يومها بدأت علاقتنا وبقينا أصدقاء خمسة عشر عاماً. حصل الطائف وريمون إده إعتبر أن المجلس غير شرعي لأن ميشال عون لديه صلاحية حلّه. ويومها لم أكن مستعداً كي أعمل رئيس جمهورية خيال صحراء. أنا إبن لبنان وأملك إرث مسؤولية متابعة مصير الأمة «مارونيا» التي من اجلها – وإليها- أعطي لبنان ومن دونها لن يكون لبنان».
يبالغ روجيه إده في المسؤولية الملقاة على عاتقه. هذا ما بدا لنا… ألم نقل منذ البداية أن هذا الرجل غير تقليدي؟ نتجاوز هذا لنسأله: حدثنا عن الدعم الذي قدمته الى ميشال عون؟ مادياً كان أو معنوياً؟ يجيب «المسائل المالية لا يحرز الكلام عنها. دعمته بوسائل عدة. طلب مني أشياء كثيرة وهناك أشياء تحفظت عنها. عرض عليّ أن أصبح حاكم مصرف لبنان لكنني إعتبرت ذلك غير ملائم. ويستطرد: أنا لا أترك أصدقائي حين يقعون. لذلك، حين ضُرب ميشال عون دعمته بلا حدود، خلال رحلة السفارة ثم في فرنسا وبعد عودته الى لبنان. لكن أول مفاجأة لي كانت حين طرح علي سؤالاً وهو بعد في فرنسا: برأيك يا روجيه هل نأخذ ميشال المرّ معنا في الإنتخابات النيابية (العام 1998)؟ هل بيمشي الحال؟ أجبته: يمشي الحال إذا أخذت إبنه الياس لأن صورة والده السياسية فاقعة. أجابني: عظيم. ويومها عرفت لاحقاً أنه فتح خطاً مع ميشال المر. بعدها، أراد الفرنسيون ترتيب إجتماع لعون مع آصف شوكت في مكتبي في باريس. لكن وزير الخارجية الفرنسي أتى وقال لي: فلنوقف هذا اللقاء لأننا نحتاج الى من يحمل راية المطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان، وهناك شخصان لذلك: ريمون إده وميشال عون. ريمون يعاني من سرطان وقد لا يصمد أكثر من سنتين. يومها لم نكن نعرف نحن، أنا وكارلوس، ذلك. وأضاف وزير الخارجية: سنتكل على عون. طلبت فايز قزي وذهبنا الى ميشال عون. أخبرته ماذا حصل. أجابني: ما رأيك أنت؟ قلت له: بلاها. إعتقدت أن الأمور تمشي على ما يرام وأن ميشال عون يفكر مثلنا. لكن، ما حصل وشكّل الصدمة الكبيرة، كان بعد عودته من باريس. ويستطرد: أنا من نظّم العودة بشكل كامل على الأرض لكن، لم يكن عند وصول ميشال عون أحد من 14 آذار وهذا عتبي عليهم. نحن كنا جزءا لا يتجزأ من الثورة ولم يكن في إستقباله، عند الضريح، أحد منهم. هذا خطأ كبير وغباء سياسي. وميشال عون حين يتضايق يشمئز ولا يسامح. كان يمكن أن يتفاهم الجميع في الإنتخابات النيابية آنذاك لكنهم لم يفعلوا. وفي العام 2006 أراد عون زيارة واشنطن كمرشح لرئاسة الجمهورية. إجتمعنا أنا وفايز قزي وإدغار معلوف لنتحدث في الموضوع. ويومها نصحت الجنرال بأن يأخذ معه الى واشنطن شخصاً واحداً يعرف لغة الأميركيين. نصحته بفريد الياس الخازن. قلت له: هو سيفهم جيداً عليهم ويتدخل بطريقة صحيحة. لكنه أخذ معه جبران (باسيل). وحين عاد إتصلوا بي من واشنطن وقالوا: ما مشي الحال، لكن يمكن أن يطرح بنفسه إسماً بديلاً. وحين عرف «سكّرت» معه (أقفل رأسه). وهنا تلقيت الصدمة الحقيقية من ميشال عون عبر الشاشة. عرفت باجتماعه مع السيد حسن نصرالله وإقامة تفاهم بين الطرفين. صعدت الى بكركي والتقيت البطريرك مار نصرالله بطرس صفير. ويومها سُئلت من الصحافيين عن اللقاء بينهما فأجبت: هذا زواج متعة لن يشرعن رئاسة الجمهورية لسماحة العماد. هذه العبارة فرطت العلاقة بيننا نهائياً. إعتقدتُ – كما كان التفاهم قبل عودته – أنه سيكون معارضاً لكني فوجئت به يقوم عكس ما كان يقول».
لماذا تجاوزه الجنرال وهما على صداقة؟ يجيب: لا أعرف. علاقتنا كانت – كما ظننتها – عميقة وخاطرت مراراً من اجله. لو سألني لما تركته يفعل ما فعله».
لكن، ألم يلتقِ من يقول له ذلك؟ يجيب «ميشال عون صعب جداً. لا أحد يؤثر عليه ويُخطئ من يعتقد أن جبران يفعل ذلك. يمكن أن «ينقلب» عون مئة في المئة وهذا ما يخيف حزب الله الذي إذا خسر ميشال عون يخسر التغطية المارونية. وهذا ما يجعل جبران يشعر بنفسه في مركز القوة».
يتحدث روجيه إده عن رؤيته للبنان يتشكل من مجلس تعاون لبناني قوامه ست جمهوريات… نسمعه «يحلم» بلبنان كما يراه. يبدو مرتاحاً على كرسيه وهو يسهب في تحديد معالم جمهورية فشل في تبوؤ سدتها. نسأله عن ضرورة وجود حزب السلام ومن يضم؟ يجيب بسرعة: «لا أحد». ماذا قصد بلا أحد؟ «أنشأته من أجل أن يضمّ فريق العمل الذي يرافقني». كم عدد المنتسبين؟ «لا بطاقات». ويستطرد: تعلمت ان الحزب أكبر عائق أمام رئاسة الجمهورية. أول هدف كان عند ميشال خوري تصفية الحزب الدستوري. كارلوس إده إبتعد أيضا عن الحزب ونقله إلى سواه». لكن، هناك أحزاب أعطت رؤساء؟ يجيب: «قد تنتج رئيساً لكن غالباً لا ينجح». هل معنى ذلك انه لا يرى جبران باسيل وسمير جعجع في الموقع الأول؟ «ليس الآن. سليمان فرنجيه حظه أكبر لأنه يملك حزباً صغيراً».
صاحب المشاريع
هو محام محلي ودولي. هو صاحب أمبراطورية مالية كبرى. فكيف نجح – من فشل في أخذ موقع سياسي – في عالم المال والأعمال؟ يجيب: «أنا مطلع دولياً. توقعت سقوط حائط برلين وأسستُ قبل ذلك بعامٍ واحد مكتب محاماة في برلين. إشتريتُ 65 عقاراً كانت مستملكة من النازيين وعدت وبعتها. هكذا أشتغل. لديّ مشاريع في الأرجنتين. أنوي تطوير مدينة ثقافية هناك. وكنت مفاوضَ عقَد طوال ثلاثة أعوام في المملكة العربية السعودية. شاركت في تصاميم عالمية وتطوير مدن كثيرة».
ما هو سرّ نجاحه في عالم الأعمال؟ «أحد أسراري أنني لا أسأل عن المال بل عن النجاح. ولا أعرف ماذا لدي ولا أهتم بالحسابات بل أتفرغ لإعداد التصوّر لمشاريع وأماكن». نتركه يعطي أمثلة عما أنجز هنا وهناك وهنالك… على مساحة الكرة الأرضية. ويقول: «أنا أوّل من أخذ عقوداً في كوريا الجنوبية. أعرف متى أبدأ بالتفاوض ومتى أتوقف. وأنا من أنشأت مطار الرياض وجامعة الرياض…».
تطل زوجته الأميركية لتجدد سكب مياه الشرب في الأكواب فنسأله عنها: متى تعرفت إليها؟
يجيب: «تعرفت الى الست أليس». نقاطعه بالسؤال هل تناديها الست عادة. يبتسم قائلا: «أعمل من قيمتها. نحن مقربّان جدا من بعضنا. تعرفت اليها خلال رحلة كانت تقوم بها بين لبنان وقبرص والجوار. كانت جميلة جدا ولا تزال. ومنذ تعرفنا لم نفترق عن بعضنا. ويتابع بابتسامة: أنا سلطوي في الحب لذا لم أدعها تتابع يومها رحلتها. وبعد سنتين من تعارفنا تزوجنا عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً في بكركي قبل سفرنا الى بلادها سان لويس. مضى أكثر من خمسين عاماً على ذلك. عشتُ معها في نعيم فأنا لا أطيق الـ»سترس». وإذا شعرت به أرفع يدي وأنهي الحديث فوراً حتى صحتي تستمر جيدة».
لكن، أليس في التفاوض توترات غالباً؟ يجيب: «لن تنجحي إذا توترت في عالم الأعمال والمفاوضات. وأنا اعرف كيف تؤكل الكتف عندما يحين الوقت».
لكن، ألا ترى أنك فشلت في السياسة في معرفة من أين تؤكل الكتف؟ يرد: «ترشحت الى رئاسة الجمهورية. ولم أترشح الى النيابة و…» وهل كان للأزمة المالية وقع على امبراطورية روجيه إده المالية؟ يجيب: «لا، لا أحد سمع مني وخسر دولاراً واحداً. نصحت كل معارفي منذ العام 2016 بعدم الإبقاء على أي حساب لهم في لبنان».
ما دمنا نتحدث عن لبنان، ماذا عن إستثمارات صاحب إده ساندز هنا؟ «أملك قرية خضراء على مسافة ربع ساعة من إده ولدي مشروع بناء مدينة سياحية في اللقلوق تحت إسم «إده سنو». وأردتُ بناء مشروع «سيليكون فالي» للتكنولوجيا في لبنان ومشروع Multi Media لكن كلمة السرّ أتت من الشام: فليبنِ نفس الشركة في سوريا أولا. حينها قدمت المشروع الى الشيخ راشد ولم آخذ منهم شيئاً». نصغي إليه يتكلم عن مشاريع لا تأكلها النار. لكن، ماذا عن مستقبل إمبراطورية روجيه إده بعد عمر طويل؟ يجيب: «أنا والست أليس قررنا ألا ننجب بعد مقتل إبنة بشير (الجميل) مايا. ما حصل شكّل صدمة كبرى لزوجتي فقالت لي: لا يمكن بناء عائلة والإستمرار في السياسة في لبنان. خيرتني بينهما فقلت لها: سياسة. الى ذلك، أنا لم أرغب بطفل يفرض نفسه علينا ويثور ويعتبر أن ما سنقدمه له حقّ وواجب. لديّ أولاد أشقائي وهناك نحو أربعين شاباً أكفاء تبنيتهم بنسبة مئة في المئة».
أليس في كلامه مبالغة؟ أليس في كلامه انانية؟ يقول: هذا قراري وأخذته عن حكمة. وأنا اليوم لا أترك شيئاً معي. أنهي المشروع وأحوله الى آخرين».
يتكرر عواء في المحيط. هي كلبته Bow البيضاء الكبيرة التي أتى بها من آسيا وعضتها تقاس بثمانية اطنان. ننظر إليها من بعيد لبعيد. ونسأله عن الكتب الموجودة في كل مكان فيقول: «أقرأ يوميا كتاباً». نكرر السؤال: أليس في الأمر مبالغة؟ يجيب: أعشق القراءة ولدي ذاكرة رهيبة». هل يخاف من العمر؟ «لا، حياتي كانت مليئة دائماً. شقيقي فادي إستلم عني اليوم إده ساندز. وأنا عاشق للبحر. إنه آفاق واسعة ومفتوحة. ألعب التنس وأسبح يومياً صيفاً وشتاء وفي ليلة عيد الميلاد وأشرب من مياه القاع كما السمكة». ويُمسك ورقة وقلماً ويكتب للتاريخ: «شو بياخد معو الإنسان؟».