Site icon IMLebanon

تصريح روحاني..«عرش طاووس» من دون زمرّد أو ياقوت

 

تفاخرت الثورة الاسلامية في ايران بأنها أسقطت «عرش الطاووس»، نظام الشاهنشاهية الذي لم يستطع آل بهلوي إحياءه في القرن العشرين أزيدَ من عاهلين من بينهم. بدل أن يكون إسقاط عرش الطاووس وتحكيم المستضعفين مدعاة لكبح الغلواء القومية، والتبجحية الشاهنشاهية، والغطرسة، تضاعفت الطاووسية المختالة بريشها الذي كان يفقد مع ذلك ألوانه وبريقه و»يطرش» كل شيء بلون الظلام والباسيج والباسدران.

وعرش الطاووس في الاصل هو غنيمة. عرش مرصع بالياقوتين، الازرق والاحمر والزمرد واللؤلؤ، غنمه «نابليون بلاد فارس»، نادر افشار عام 1738، حين غزا مدينة دلهي، عاصمة الامبراطورية التيمورية «المغولية» شمال الهند، وكان في الاصل عرشاً لشاه جيهان، معمر «تاج محل» الشهير.

لم يحافظ الايرانيون على العرش الهندي الغنيمة هذا، فضاع سريعاً، لكن آخر توسع جغرافي لهم بهذا المدى، حتى دلهي، دفع الى استدامته في الذاكرة كصفة ملازمة للامبراطورية الفارسية، في ظل من أعقب الصفويون على فارس، القاجاريون والبهلويون. هذا على الرغم من ان بلاد فارس لن تعرف من بعد فتح دلهي في النصف الاول من القرن الثامن عشر توسعات مماثلة، كما انها لن تستعيد ما حققته المرحلة الصفوية من آثار عمرانية وحضارية.

ولئن استطاعت بلاد فارس تجنّب الاستعمار المباشر، فإنها خضعت للنفوذ الاستعماري في القرن العشرين، وظلت مع ذلك تنظر إلى نفسها كصاحبة عرش الطاووس، ثم احتفت بالثورة على عرش الطاووس هذا، على البهرجة الامبراطورية الشاهنشاهية، لكن هذا عاد لنسج اسطورة عرش الطاووس بشكل آخر، فصار «عرش طاووس المستضعفين»، ترميزاً لتوسعية وعدوانية تطال الجوار العربي، بلدان الخليج والمشرق، ولا تستطيع حتى التزام دعاية نافية عن نفسها صفة التوسعية والعدوانية، ومتذرعة بالشعارات المتبرّئة من الشاهنشاهية، بل تعمد بين الفينة والفينة إلى تصريح من قيادي في الحرس الثوري بأن بلاده تسيطر على عواصم اخرى، وبلدان اخرى.

وما كان حتى الأمس القريب من عوائد الحرس الثوري الطاووسي المختال بمشيته، وباختلال التوازنات في الاقليم لصالح ايران، خصوصاً بعد التدخل الاميركي في العراق، اعتمده الرئيس الايراني حسن روحاني قبل يومين، في تصريح طاووسي، في عزّ الشكوى العربية من هذا التمدد الامبراطوري المنزع، المذهبي الاحتقان والتعبئة، الضارب عرض الحائط بالكيانات الوطنية في المشرق، كما بالرابطة العربية بين هذه الكيانات، المتنقل من عقدة تاريخية الى اخرى، فمرة تصحو ايران على نوستالجيا لخارطتها التوسعية في القرن السادس قبل الميلاد، ايام الاخمينيين، او على خارطتها الساسانية الشاملة للرافدين، ومرة تصحو ايران على مظلومية طاعنة بمعظم التاريخ العربي الاسلامي على انه غير مطابق للاسلام كما تراه هي، ومرة تصحو على حلم بأممية اسلامية مخاطبة لوجدان الجماهير، ثم تطعن بالجماهير ان رأتها تتحرك ضد طاغية كبشار الاسد، وتتدخل، مختالة كالطاووس مرة اخرى، للامعان الطليعي في تدمير بلد مثل سوريا.

تختال ايران بما لها من اوراق اقليمية اليوم. عرش طاووسها الحالي ليس مرصّعاً لا بياقوت ولا بزمرد. مرصّع بميليشيات الحشد الشعبي والعصائب والحوثيين و»حزب الله» هو، بأذرع وزعانف الحرس الثوري. هنا لا تنفع المكابرة: نعم، بلادنا ترزح تحت وطأة التمدد الايراني الضارب عرض الحائط بالعقود الاجتماعية، المضمحلة اساساً، في هذه المنطقة من العالم، والنافخ في احقاد لا تجعل الايديولوجيا الطاووسية هذه قادرة على التصالح لا مع تاريخ اموي ولا مع تاريخ عباسي، لا مع تاريخ مملوكي او عثماني، ولا مع تاريخ كيانات وطنية تبحث عن تثمير الرابطة العربية في ما بينها، او تتعسف في امر هذه الرابطة، او تهدر امكاناتها، من دون ان يسوغ هذا بأي حال استتباعها من طرف الجمهورية الاسلامية بأي شكل كان.

ولبنان، البلد الأبعد في المشرق العربي عن الحدود مع الجمهورية الاسلامية، يعاني منذ مطلع الثمانينيات، من هذه الاصابة بالايديولوجيا الطاووسية، التي استعادت اساطير عرش الطاووس، من دون جماليات البلاط الشاهنشاهي وآدابه. بل من دون حد ادنى من تطور العلاقات الاقتصادية والثقافية بين الشعبين الايراني واللبناني. فما هو المطعم الايراني الذي يمكن ارتياده في العاصمة اللبنانية مثلا؟ ما هو المنتج الايراني الذي يعرض في المعرض الايراني بها، غير الفستق والسجاد؟ هل من مقارنة بين حركة اللبنانيين من والى اسطنبول، تجارة وسياحة، وحركتهم من والى طهران؟ صحيح ان الكثير من السلبية موجود في الثقافة العربية ضد الحضارة الفارسية، لا تبرره سلبية مقابلة، لكن هل فعل نظام الملالي في ايران شيئاً غير تعميق هذه السلبية المتبادلة، وتجذير هذه الاحقاد، وهذه المرة من دون زمرّد او ياقوت؟