في ثمانيناته، لا يبدو النائب ميشال المر أقلّ دهاء مما كان عليه طوال نحو 40 عاما من العمل السياسي، حتى حين غزت الأحزاب معاقله وباتت تهدّد وجوده واستمراريته. مع اقتراب الاستحقاق البلدي يبدو أن المر سيتمكن من اعادة فرض محدلته في البلديات الوازنة في قضاء المتن… والأهم امساكها كلها عبر اتحاد بلديات المتن الشمالي
تفترش لوائح شطب رئيس بلدية بياقوت السابق في المتن الشمالي ايلي زينون طاولة المقهى في انطلياس، فتحلّ المكسرات مكان الأقلام: «فلان معنا» يقول الريّس، فيعلّمه شاب يجلس بقربه بحبّة فستق.
لا يمكن زينون الاسترخاء كما سابقا قبيل المعركة البلدية، بعدما تعرض «للغدر» من أمين صندوقه الكتائبي و4 كتائبيين آخرين كان قد أتى بهم بنفسه قبل أن ينقلبوا عليه ويستقيلوا عام 2011 فيقيلوه. انتظر هؤلاء الى ما بعد موعد افتتاحه لهم أول قسم كتائبي في البلدة، علّقوا له «زرّ الكتائب» على بزته عرفانا بالجميل ثم «أرسلوني الى المنزل» ليحلّ أمين صندوقه ورئيس قسم الكتائب هناك عصام زينون مكانه. سيجهد رجل النائب ميشال المر في أيار المقبل من أجل اعادة ما انتزع منه، هو الذي مكث في البلدية ما يزيد على 13 عاما.
قبل أسبوعين، جمع لقاء المر وابنته رئيسة اتحاد بلديات المتن الشمالي ميرنا المر بالنائب سامي الجميل. تمحور الاجتماع حول البلديات التي يمكن للطرفين التحالف فيها، الا أن الاتفاق يومها لم يخرج من اطاره الشفهي ولا انعكس ايجابا على بياقوت، فيما وعد الكتائب بدعم ميرنا مجددا في انتخابات الاتحاد ووقف التداول باسم نيكول الجميل، شقيقة سامي، كمرشحة منافسة لـ»الريّسة». وفعليا، يصعب على المر والجميل التحالف جدّيا أو اشهار أي تعاون ممكن علانية لعدة أسباب: أولها أن المر يخوض اليوم معركة وجوده واستمرارية عائلته سياسيا، ما يحتّم عليه عدم كسر الجرّة مع أحد وخصوصا أن معركته الرئيسية ليست البلديات انما اتحاد البلديات. وغالبا ما يردد المر أن من في حوزته الاتحاد «لا يسعى وراء الفتات»، فرئاسة الاتحاد كفيلة بجعل كل البلديات تهرول اليه. لذلك، تقول المصادر المقربة من المر، إنه «سيتعاون مع الجميع ولن يشكل لوائح مقفلة خاصة به». ثانيها، يشبّه المتنيون زعيم بتغرين بسعد الحريري، فكما للأخير معارك كبيرة تعنيه، للمر هو الآخر ثلاث بلديات يسعى للفوز مجددا بها: أنطلياس وجل الديب وسن الفيل. ومبدئيا سيخوض المتن الشمالي أربع معارك كبيرة، ثلاث في ما يعدّها المر معاقله ورابعة في بسكنتا. ويصدف أن للكتائب مرشحه في انطلياس جوني أبو فاضل، الذي يشغل منصب رئيس القسم هناك، فيما يدعم المر رئيس المجلس البلدي الحالي ايلي أبو جودة. الأمر الذي سيحتم في حال التحالف الاتفاق على سحب مرشح لمصلحة الآخر وهو ما لم يتم حتى الساعة. على المقلب الآخر، يسود الودّ بين الطرفين في جلّ الديب، حيث يراهن المر على رجله الرئيس ادوار أبو جودة برغم نقاط ضعفه العديدة وأبرزها شلّ العمل البلدي وتحويل البلدة الشابة الى عجوز مترهلة؛ لا همّ، يحوز الريّس منذ انتخابات 2010 على دعم الكتائب. في سن الفيل، يصنف رئيس بلديتها الحالي نبيل كحالة في خانة «كتائب المر» ويخوض معركة كسر عظم مع عائلة شاوول التي يدعمها التيار الوطني الاحر والقوات بمرشح يدعى جوزيف شاوول، الا أن المشكلة الرئيسية هنا تكمن في كحالة الذي تحدّى المر وترشح سابقا في وجه ميرنا لمنصب رئاسة الاتحاد؛ وهو ما لن يغفره له زعيم بتغرين. فأبو الياس وفقا لعارفيه «ما بيمتلو ميّت». وبالتالي ان كان سيجاهر علانية بدعمه كحالة، غير أن ماكينته ستعمل حتما لتقليم أظافره. ثالثها، ينحصر اهتمام المر برؤساء البلديات ويتركز اهتمامه على الحفاظ على ما يملكه، أي «شبكة الريّاس» في البلدات الوازنة بدءا بالدكوانة مرورا بالجديدة فالمنصورية وانطلياس وجل الديب والزلقا وضبيه. الأمر الذي يتطلب تحالفا «أثقل» من تحالفه مع الكتائب وأبعد من تقاسم الجبنة مع بكفيا على عضو من هنا وآخر من هناك.
من يعرف أبو الياس ويتسلل الى تفاصيل المعركة البلدية السابقة، يدرك أن الأخير «ثعلب بلديّ» أكثر مما هو «ثعلب سياسي». وكل من يجوب في البلديات التي يقبض عليها المر منذ عشرات السنوات، يتأكد أن من الصعب محاربته في معاقله، حيث مخاصمته تضر أكثر مما تنفع وخصوصا في الدكوانة والجديدة وضبيه. لذلك من المرجح أن يقف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وفقاً لمصادرهما، في صفّ هؤلاء «الريّاس» الذين تجمعهم واياهما علاقة متينة، ما سيؤدي الى اعادة «مبايعتهم» من جديد. ولأن تاريخ المر يشهد على عدم موازنته بين الأخذ والعطاء ويمكن للتيار الوطني الحر كتابة مطولات في هذا الصدد، فهو سيحاول هذه المرة أيضا أن يأخذ من كل القوى السياسية من دون أن يعطي أحدا. ويبقى الخاسر الأكبر وفق هذه المعادلة حزب الكتائب، الذي لن يُكسبه الكثير حلفُه مع المر، في مواجهة التيار والقوات، لسبيين: أولا، سيصعب على الكتائب زيادة ربحها البلدي وستبقى أسيرة بكفيا والقرى القريبة منها. ثانيا، سيضعها هذا الحلف في وجه ما يسمى «الاجماع المسيحي»، وأضرار ذلك الموقف لن تبقى محصورة في الاطار البلدي فقط.