مقاربة رومانسية للانتخابات البلدية في مدينة زحلة. حاضرة القلب، الحاضرة في القلب. وكانت الكلية الشرقية بكل بهائها في ذلك الحين تعطي للعقل ما للعقل، وللخيال ما للخيال. وكان هناك ذلك الراهب الفذ من حوران ايوب فلوح الذي إما يقنع من يخل بقيم المؤسسة بقوة الكلمة او بقوة اليد…
هو الذي جعلنا نعشق نابليون بونابرت. وضع مسرحية «فرخ النسر» حول ابن للامبراطور. حتى الان، وانا القومي العربي العتيق، لا استطيع ان اقترب من معركة واترلو لا في الكتاب ولا على الشاشة لكأن بونابرت في ذاكرتي صلاح الدين الايوبي او طارق بن زياد.
كيف تدرس في زحلة، ولا تكون مجنونا بالثقافة؟ لا ادري ما اذا كان هذا ايام زمان. الان لا تجد صحيفة اميركية او اوروبية في المدينة. نسأل، ويأتينا الجواب من سيدة مسنّة عرضت مكتبتها للبيع «لا احد يقرأ…».
في مدرسة اخرى تتلمذنا على يدي سعيد عقل الذي كان يقرأ لنا من «المفكرة الريفية» لامين نخلة. كان يتلاشى في كل كلمة، كما لو انه يتلاشى امام وجه السيدة العذراء. فاجأنا ذات يوم، وهو يقرأ نصاً حول «صلاة العنز» بالقول«عنز ويصلي. في النص متفجرة…في النص متفجرة».
قفزنا من مقاعدنا وحاولنا الاندفاع نحو الباب. قال لنا «يا مهابيل عودوا الى مقاعدكم. انا اقصد الانفجار في الصورة».
في الجمهورية اللبنانية، كان هناك ملك يدعى جوزف طعمة سكاف. ملك من طراز اخر. الرعايا يدخلون اليه في غرفة نومه، وكان يعرفهم واحدا واحدا ويلبي طلباتهم دون تكشيرة ،او مراوغة، كما حال سياسيي هذه الايام واقطاعيي هذه الايام…
اطلق عليه لقب «ملك البقاع». في انتخابات 1960، طلب الى شقيقه ميشال ان يعتنق الارثوذكسية ليترشح عن المقعد الارثوذكسي في البقاع الغربي، وفاز ليكون هناك شقيقان تحت قبة البرلمان، احدهما كاثوليكي والاخر ارثوذكسي، ولو كان له شقيق ثالث لربما طلب منه ان يتحول الى سني او شيعي.
قوة جوزف بيك في بعلبك – الهرمل لم تكن تقل شأنا. يتدخل في المقعد الكاثوليكي او المقعد الماروني كما يتدخل في المقاعد الشيعية. لم يكن طائفيا قطعا، ولا مذهبيا قطعا. المأخذ عليه انه من ادخل المال في اللعبة الانتخابية، احيانا في وجه العائلات الزحلاوية السبع…
مشكلة الابن الياس سكاف الذي غاب في عمر مبكر انه لم يمض صباه في لبنان، وان لغته العربية كانت مرتبكة، لكنه كان عبارة عن «قلب». لا تفارقه الابتسامة، ولا يرد من يدق بابه. لكنه ورث عن ابيه كراهيته التاريخية للاحزاب…
لا نعرف السيدة ميريام سكاف عن كثب. وكنا نأمل ان يبقى ذلك البيت مشرعا امام الناس. فوجئنا بخلافها مع المطران الجليل عصام درويش الذي هو عنوان للدماثة والعمق والصدق، لا بأس، سألنا البعض فقيل لنا ان السيدة القوية الشكيمة، والآتية من بشري، «لم تفهم زحلة جيدا»…
هؤلاء ألقوا باللوم على السادة المستشارين الذين قيل لنا ايضا ان بعضهم ينتمي الى العهد العثماني، ودون ان يدركوا ان الازمنة تتغير، الامزجة تتغير. احدهم قال «مثلما خربّت الاحزاب لبنان تريد تخريب زحلة».
وقيل لنا ان السيدة ميريام تريد ان تكون لها اليد الطولى في تشكيل اللائحة. الاحزاب المسيحية ( المارونية) الثلاثة (التيار الوطني الحر، «القوات اللبنانية»، الكتائب) لها حضورها الفاعل على الساحة في المدينة. وكان الفيلسوف الفرنسي ريمون آرون قد وصف الاحزاب بـ « الذئاب الايديولوجية».
لم نلمس ذلك في النائب ايلي ماروني، الاكثر حضورا بين النواب الحزبيين عن القضاء والذين لا تعرف غالبية الناس وجوههم، دون ان تكون هناك اي لحظة طائفية (او ايديولوجية) في شخصيته…
اذا اتفقت الاحزاب الثلاثة على تهميش السيدة ميريام، او على عدم الاخذ بشروطها، فالمعركة ستكون، بالنسبة اليها مصيرية، حتى وان اتت بوجه شعبي يرأس لائحتها (يوسف سكاف).
وقيل لنا انها ترفض الاتفاق مع النائب نقولا فتوش الذي لا مجال لاغفال خدماته وقوته على الارض، فكيف يمكن للسيدة ميريام ان تكون في صراع مع الجميع وتبقى ( سياسيا) في المدينة، وهي التي يحاول البعض توظيف مارونيتها للقول ان الزعامة في زحلة للكاثوليك، وان دلت الارقام على تقارب العدد بين الكتلتين الكاثوليكية والمارونية في زحلة…
احد المستشارين قال «نخسر الانتخابات البلدية ونربح الانتخابات النيابية». هل سيبقى القضاء كما هو، وحيث الصوت السني هو الذي يشق الطريق الى ساحة النجمة ام تفصل زحلة، كما فصلت مدينة صيدا، عن قضائها؟
هذه تفاصيل، وهذه احتمالات. لكنه حزين ذلك اليوم الذي يقفل فيه باب ظل لعقود وعقود مشرعا امام الناس، واحبّه الناس…