لا نملك بعد أسرار خلوة روما الثنائية بين الرئيس سعد الحريري والبطريرك الماروني الكاردينال الراعي التي ربما تكتسب أهمية أكبر من الاجتماع الموسع الذي سبقها وتلاها. ولكن في كلام الحريري المتطور على الانتخابات الرئاسية ما يستدعي، ليس التكهن بالسيناريوات الاستباقية وهي النزعة الجارفة التي تأخذ بواقع سياسي واعلامي مأزوم، بل محاولة تلمس خيط ابيض يلوح في الأفق المقفل.
يعيدنا لقاء روما بكل الظروف اللبنانية والإقليمية غير المسبوقة بخطورتها الى سابقة شديدة التأثير في التوصل الى اتفاق الطائف بصرف النظر عن المآل الذي بلغه تطبيقه بعد ٢٥ عاماً. حينذاك، عشية اجتماع البرلمانيين اللبنانيين في المدينة السعودية، كانت تعقد خلوات سرية بين البطريرك صفير بصفته مع آخرين كبار أولهم “العراب” الرئيس حسين الحسيني صانعي الميثاق الجديد. يومذاك ايضا كان الرئيس رفيق الحريري يخط اكبر أدواره من بوابة إنهاء الحرب، وما كان للطائف الميثاق ان يبصر النور لولا بكركي.
لا ندري ما اذا كان من الحكمة اسقاط خلوات روما تلك الايام على خلوة روما الاخيرة، ولكن شيئا من ايجابية المقارنة لا نعتقده خارج السياق الرمزي لاستعادة التجربة. ففي مناخ فقد معه اللبنانيون الأمل بسماع خبر ايجابي ترانا نتوسم بارقة قد تكون نقطة تقاطع نادر في نضج الموقف الداخلي من حتمية انتخاب رئيس للجمهورية سبيلا حاسما الى انقاذ البلاد. فإن “يظن” الرئيس الحريري بان قوى ٨ آذار “لا تريد استمرار الفراغ الرئاسي” دافعا بقوى ١٤ آذار الى مبادرة توافقية، فهذا ليس تفصيلا في وقت تنفجر فيه مجددا تداعيات التورط في القتال في سوريا بين “حزب الله” وهذه القوى.
والواقع ان احدا لا يمكنه المكابرة حيال رؤية كل الفرقاء لا يتقاطعون الا حيث كشفهم الإرباك والانهاك والفراغ والقصور بل ايضا والذعر. وتبعا لذلك صار ممكنا الرهان الواقعي هذه المرة على توافق قسري لا مفر منه على رئيس او على رئيس توافقي او على استجماع شتات الخسائر الهائلة ومحاولة استدراك الفائض الذي سيتراكم بعد من الاخطار بهروب متأخر الى انقاذ!
نقول الهروب قابلين صاغرين ولا مكابرة ما دام أهل الفراغ في الداخل والخارج لم يكسبوا حتى تقطيع الوقت وما دام أهل ملء الفراغ ايضا لم يثبتوا أهلية اجتراح المخارج حتى الآن في تدارك الكارثة. فكيف لا يصبح هذا الهروب سبيلا وحيدا لفتح ثغرة كبرى في افق كارثة كبرى؟ وأي موقع افضل الآن في اللحظة اللبنانية والاقليمية والدولية المتوهجة والمتفجرة لتدارك الكارثة المتدحرجة وإعلان لبنان الحصانة من الاجتياح الاصولي الاجرامي برفع اسم رئيسه الماروني المسيحي فوق ركام الشرق العربي والإسلامي؟