Site icon IMLebanon

غرفة «الموك» سقطت؛ فماذا عن الأردن وسوريا؟

«لن نتدخّل، عسكرياً، في سوريا، لا اليوم ولا غداً». هكذا حسمها رئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور في تصريحات قاطعة. كأن الهزيمة التي لحقت بتنظيمات «الموك» في غزوة جنوب سوريا، لحقت بخصومه المحليين ــــ من الليبراليين وسواهم ــــ الذين خرسوا، الآن، لترتفع أصوات ممثلي بيروقراطية الدولة، التي صمتت في انتظار نتائج المغامرة التي أصرّ القصر والليبراليون المرتبطون بالمحافظين الجدد الأميركيين وحلفائهم الإسرائيليين والخليجيين، على القيام بها في جنوب سوريا.

هناك الكثير من الكلام حول تسريبات أمنية أردنية تم تمريرها إلى الجيش السوري، ما مكّنه من كشف تفاصيل خطة «عاصفة الجنوب»، قبل وقوعها؛ أقلّه هناك تأكيدات بأن إحداثيات موقع اجتماع قيادات «النصرة» والتنظيمات الإرهابية المتحالفة معها في «عاصفة الشر»، هي معلومات استخبارية، نقلها الأردنيون إلى الجانب السوري. إذا كان ذلك صحيحاً، فهو يفسّر الترحيب الأردني الصامت بالمبادرة الروسية للتحالف مع النظام السوري لمكافحة الإرهاب.

ينبغي التذكير، هنا، بأن تقرير «فايننشال تايمز» حول تفاصيل تلك المغامرة بات قديماً. لقد تم إعداده عشية «عاصفة الجنوب»، وليس بعد فشلها. وكان التقرير ذاك تحدّث حول نية المملكة اللحاق بالإرهابيين، بعد نجاحهم في السيطرة على الأرض، للتوسع جنوباً، وإنشاء منطقتين: آمنة لإيواء النازحين، وعازلة تفصل البلاد عن تنظيم «داعش» الذي بات، في تدمر، على مبعدة عشرات الكيلومترات من الحدود الأردنية.

القصر ــــ ومشايعوه ــــ ذهبوا نحو مغامرة لم تعش إلا أياماً، مع أن الإعداد لها استغرق شهوراً وراياتٍ وأشمغة مقلوبة وتصريحات حامية، كلها تبخّرت في 24 ساعة. ليس، فحسب، لأن قوات الجيش السوري والمقاومة، كانت بالمرصاد للجماعات الإرهابية الغازية، سواء على جبهة حضر ــــ السويداء أم على جبهة درعا؛ بل، أيضاً وأساساً، لأن المجتمعين المحليين في المنطقتين المغزوّتين، أظهرا ولاءهما للدولة الوطنية السورية، فجعلا من خطط التقسيم أوهاماً.

السعوديون والأتراك، أيضاً، تجاهلوا ابلاغ عمّان باتصالاتهم مع الروس للمصالحة مع دمشق؛ وجد الملك عبد الله الثاني ــــ وأركان قصره ــــ أنفسهم، معزولين، أردنياً وعربياً وإقليمياً ودولياً؛ فلم يبق لديهم سوى اللحاق بالركب.

لو كان ذاك الملك حسين، بحساسيته السياسية المعروفة، لما مرّت ساعات إلا وكان يقود طائرته، بنفسه، صوب دمشق. لكن الملك الحالي، عبد الله الثاني، مثقل بالقيود، خصوصاً الداخلية. فهو سينتظر حتى تخرج واشنطن والرياض رأسيهما من الرمال، كيما يستدير 180 درجة، ويرفع سماعة الهاتف، طالبا التنسيق مع الرئيس بشار الأسد؛ لكن الملك عبد الله الثاني، سينتظر حتى يرى إلى أين يسير الأميركيون والسعوديون.

يمكن لأولئك الذين يشطبون التاريخ الاجتماعي ــــ السياسي للدول، أن يقولوا ما يشاؤون عن سياسات الملك حسين؛ لكن يظل عليهم أن يلاحظوا شيئين، هما، أولاً، أن الفترات الودية في العلاقات الأردنية ــــ السعودية، كانت محدودة وسطحية، دائماً، وثانياً، أن الملك حسين كان يتبع سياسات مستقلة نسبياً عن السياسات الأميركية، كما ظهر في رفضه لمعاهدة كامب ديفيد، ووقوفه إلى جانب الرئيس الراحل صدام حسين، العام 1990. كان الملك حسين يكره السعوديين وكانوا يكرهونه. وقبل معاهدة وادي عربة المشؤومة، العام 1994، كانت السياسة الأردنية، تتقلّب، في إطار مشرقي، مع سوريا والعراق.

في منتصف الثمانينيات، حين كسب الرئيس الراحل حافظ الأسد الجولة ضد عصابات الإخوان المسلمين ــــ التي تدرّب قسم من مقاتليها وتسلّح في الأردن ــــ ظهر الملك على التلفزيون، وقدّم اعتذاراً علنياً للرئيس السوري، وسوريا؛ وذلك، استباقاً للمصالحات العربية والدولية مع دمشق؛ فهل جاء الوقت، لكي يفعلها الملك عبدالله الثاني، ويبادر إلى تقديم الاعتذار المطلوب؟

لطالما اتسمت رؤية الرئيس حافظ الأسد، بشأن الأردن، بالواقعية. فهو رفض، منذ العام 1970، أي تغيير سياسي في البلاد، مهما كانت شعاراته برّاقة، يسمح بوقوعها في براثن الوطن البديل. وقد ورث الرئيس بشار الأسد، السياسة نفسها، وتابعها، على رغم أن أصحاب القرار في المملكة لم يتحلّوا بالمسؤولية نفسها، إزاء الكيان الأردني. ولذلك، فإن دمشق، تظل مفتوحة الذراعين، رغم كل الإساءات، للمصالحة مع عمّان.

لم يبق لغرفة الاستخبارات العربية ــــ الدولية «الموك» ما تفعله في عمان. فالحكمة تقتضي حلها فورا، والشروع في اتصالات جدية مع بين عمان ودمشق، للتوصّل إلى ما يلي:

أولاً، وقف القطيعة السياسية والدبلوماسية، والشروع في عملية التنسيق الثنائي والثلاثي (مع العراق) للتوصّل إلى رؤية سياسية وأمنية متوافقة.

ثانياً، تشكيل غرفة أمنية أردنية ــــ سورية ــــ عراقية مشتركة لمواجهة التمدد الإرهابي، وإعداد خطة واحدة لتصفية الجماعات المسلحة والإرهابية في جنوب سوريا والأنبار، ومنع تمددها إلى الأردن.

ثالثاً، الشروع في حل مشكلة اللاجئين السوريين بالتعاون بين وزارتيّ الداخلية في البلدين، وبالتزامن مع عمليات فرض الأمن في جنوب سوريا.

… فإذا لم يكن بإمكان حكومة الدكتور عبدالله النسور، وبيروقراطية الدولة الأردنية، المدنية والعسكرية، والعشائر، أن تفرض ذلك في غضون وقت قريب، فسيواجه الأردن، ثلاث مصائب كبرى، (1) اللحاق بالمصالحة العربية والاقليمية بلا ثمن ولا أسبقية، (2) الانفجار الإرهابي وتسلل جماعات الإرهاب إلى الأراضي الأردنية، (3) التحضير لتوطين ما لا يقل عن مليون لاجئ سوري، توطيناً دائماً.