نادرة هي المرات التي يقف فيها المسيحيون بقياداتهم طبعاً صفاً واحداً وموحداً بتناسي الخلافات والتجاذبات وبدون اقتطاع حسابات هذا الفريق او ذاك ، فما يفرق المسيحيين اكثر مما يجمعهم ، الرئاسة الاولى هي المحطة الخلافية او سبب التفرقة بين المسيحيين والانشقاق تليه الملفات الساخنة التي يحاول كل فريق مسيحي احتساب مغانمه منها ، باستثناء ملف امن الدولة على خلفية الخلاف بين مدير الجهاز الامني ونائبه يصعب القول ان القوى المسيحية اتفقت فيما بينها في مجلس الوزراء، الصرخة المسيحية ضد تهميش المسيحيين في الادارات واقعة بين الوزراء المسيحيين ورئيس الحكومة، لكن القيادات المسيحية لا تلتقي مع بعضها الا عندما تقع الواقعة ويصبح مصير الطائفة على المحك بحسب مصادر مسيحية، والارجح انهم يلتقون في المصيبة الصغيرة عندما يشعرون بالحصار والتضييق على المسيحيين في الدولة ويختلفون في العناوين الكبرى والملفات الاساسية وحول مصير الرئاسة الاولى جيث يتحول المسيحيون الى ديوك يتناتشون بعضهم للوصول اليها . بالامس تقصد الجنرال ميشال عون والدكتور سمير جعجع ان يظهرا الموقف نفسه من زيارة البطريرك الراعي الى المختارة، اختار الزعيمان المشاركة على طريقتهما وكذلك فعل رئيس تيار المردة بالمشاركة وفق ما يريانه يناسب الزعامة ، بعدما قرر الزعيم الاشتراكي احتكار الاشتراك في احتفال المختارة ببكركي مسيحياً وزعامة الخازن وبعدما بدا ان حضور الزعماء الموارنة «لزوم ما لا يلزم» .
فالتجاذب المسيحي في المواضيع الرئيسية والاساسية باق على حاله تضيف المصادر، فزعيم المردة مصر على ترشحه وبحظوظه الرئاسية التي لا يملكها ميشال عون ، وموقف سليمان فرنجية «على حاله» منذ لقاء واعلان معراب الذي جمع خصمه التاريخي في معراب بحليفه الاستراتيجي في الرابية وهو لقاء ما كان ليحصل في تقدير المردة لولا تبني المستقبل ترشيح فرنجية ومسارعة جعجع للقوطبة على هذا الترشيح ومحاصرته. حال بكفيا لا يبدو افضل فالجميل الاب والابن يسعيان لحجز موقع مستقل على الخريطة السياسية بعيدا عن اصطفافات معراب والرابية ، في هذا السياق اتت خطوة رئيس الحزب سامي الجميل بالانفتاح على السيدة ميريام سكاف وعلى المتضررين من اختزال الجبهة المسيحية بشخصي عون وجعجع، فالواضح ان تفاهم معراب لا يزال يقلق بكفيا تماماً كما ان زعيم بنشعي لا يهضم هذا التفاهم ولا يقبل بالانضمام اليه .
سبق للنائب سامي الجميل ان رفض المرشحين الاثنين من فريق 8 آذار، وان كان في الصميم يبدو اقرب الى بنشعي من الرابية فهذا التقارب في اقل تقدير سيأتي على حسابهما، على حد قول المصادر، لأن الورقة السرية التي يحكى انه تمت صياغتها بين جعجع وعون ذات يوم والتي نفى وجودها ميشال عون في حسابات الكتائب والمردة واوساطهما هي ورقة فعلية وصياغتها اذا لم تحصل اليوم بشكل نهائي الا ان الاتفاق عليها قائم وجدي ، وهذه الورقة ظهرت بنودها في الانتخابات البلدية وان كانت نتائج تلك التحالفات العونية والقواتية لم تكن مبهرة كما ان التنافس بينهما بلغ أوجه في جونية وبلديات اخرى اساسية سقط فيها التفاهم. الا ان الكتائب تتوجس من تقارب سمير جعجع وميشال عون، صحيح ان الانتخابات البلدية لم تحقق «التسونامي» المسيحي لتفاهم معراب الا ان شبح هذا التفاهم يلقي بثقله على الانتخابات النيابية التي تدخل مراحلها التحضيرية بعد الاتفاق على قانون انتخابي خلال الاشهر الثلاثة المقبلة على اعتبار ان التمديد للمجلس النيابي الحالي مرفوض . فالكتائب تشعر فعلاً ان مقعدها قد يصبح مهدداً في المتن الشمالي، ولا تزال تجربة كميل خوري الذي اسقط الرئيس امين الجميل ماثلة، فيما يبدو وضع المردة اقل تأثراً وافضل حالاً في زغرتا وان كان سيصبح معقداً في اقضية اخرى وفي البترون تحديداً ومن هنا سعى فرنجية لترتيب العلاقة مع النائب بطرس حرب. فالاتفاق القواتي والعوني يخيف الاحزاب المسيحية الاخرى والقوى المسيحية سواء في التحالفات الرئاسية او النيابية او النقابية وفي كل المناطق التي ستشهد استحقاقات في المرحلة المقبلة.
من هنا تقول المصادر المسيحية فان صراع ديوك الموارنة انطلاقاً من الملف الرئاسي وسباقهم رغم كل الازمات والعواصف مستمر ابداً وهو يجدد نفسه بحلة او اشكال مختلفة. والمؤكد حتى الآن ايضا ان لا شيء او اي تأثير ايجابي او سلبي ولا اي تهميش مسيحي يمكن ان يوحد المسيحيين فلا تهميش المسيحيين وتراجع حضورهم في الادارات والمراكز الأولى في الدولة يمكن ان يجعل الرابية تقدم تنازلات او تتراجع عن ترشيحها، او بنشعي تنسحب من اجل الجنرال او بكفيا تسلم بالتوافق العوني والقواتي على حسابها. فالصراع المسيحي المسيحي لا يشبه غيره من اجل تأمين استمرارية الزعامات والبيوت السياسية سواء التقليدية او تلك التي نشأت حديثاً، فها هو التيار الوطني الحر يقوم بحملة تطهير لمناضلين وقيادات مشهود بتاريخها الحزبي ، وها هي الكتائب تطرد وزيرها من الحزب بعدما تمرد على قرار الاستقالة من الحكومة، وها هي الاصوات ترتفع مجدداً من الرابية انما اكثر خفتاناً من قبل ضد التمديد لقائد الجيش المنافس القوي لزعيم الرابية الى المقر الرئاسي وفي المحصلة فالخلافات باقية طالما ان احداً لم يتربع على كرسي بعبدا .