IMLebanon

الجذر والفروع

يُفترض مبدئياً، ان يكون التحرك المطلبي في الشارع سبباً لاستنتاج ايجابي مفاده ان الحيوية المدنية لا تزال قائمة وموجودة في لبنان برغم طغيان الحالات الاصطفافية في السياسة وما هو ابعد منها وأخطر، على ما عداها في الحسابات الاخيرة!

لكن لا تليق بأحد تلك الآراء والقراءات التي تغيّب الواقع لصالح الافتراض. وتذهب بعيداً في التعميم الى حدود الشطط: تنظر الى تجمع مطلبي محدّد ومحدود (أياً يكن حجمه!) على انه بديل عن «الالتزامات» الاولى لمعظم اللبنانيين، أو مؤشر الى نضوج حالة تغييرية شاملة.

مثلما لا يليق بأحد ايضاً، تغييب المشتركات العابرة فوق الاصطفافات والانقسامات الطائفية والمذهبية والحزبية والسياسية والجهوية. وهذه في مجملها مشتركات ذات طابع سلبي ناجمة عن ازمات حقيقية.. بحيث ان انقطاع الكهرباء مثلاً، أمر يخصّ الجميع ولا يستثني احداً. وأزمة النفايات بدورها كذلك.. وبالتالي صعب «علمياً» الخروج العشوائي أو الاستنفاري أو المتسرّع، الى اطلاق احكام عامة او تبسيط واقع معقد، مثل الواقع اللبناني الراهن.

ومع ذلك، يمكن وبكل راحة ضمير، مجادلة أهل التعميم والاستنتاجات السريعة، المشبوهة والبريئة على حد سواء، في «قضية» جوهرية يقوم عليها البيان التعبوي والتأففي والاعتراضي الراهن، وهي تحميل كل المشتغلين والمعنيين بالشأن العام، المسؤولية ذاتها ومن دون تمييز، عن الواقع المزري الذي آلت اليه امور اللبنانيين في معظم المجالات الحياتية والتنموية والاقتصادية والسياسية والامنية.

ذلك أمر يتم بدأب وخبث كبيرين. وفي ظل ضجيج استثنائي يشترك فيه كثيرون عمداً وقصداً وكثيرون غيرهم ببراءة وعفوية، والجامع المشترك هو تغييب الجذر الاول الذي تتفرع عنه سائر الازمات من كبيرها السياسي والدستوري والميثاقي الخاص بالفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، الى صغيرها البيئي المطلبي المتصل بأزمة النفايات المتراكمة في الشوارع والأحياء السكنية.

.. لا يمكن وضع المرتكب والضحية، ولا الفاعل وصاحب رد الفعل في خانة واحدة. هناك فريق سياسي حزبي يقوده «حزب الله» يُخضع لبنان منذ العام 2005 لمزاجه وقراراته وارتباطاته ومصالحه بغض النظر عن اي شأن آخر. وهذا يعني في العموم والتفصيل ابقاء الوضع اللبناني في خانة عدم التعافي واخضاعه بكل شؤونه وشجونه ومؤسساته لمعادلة ظالمة هي تحميله وتحميل أهله أثقالاً «جهادية» و«نضالية» و«ممانعاتية» أكبر بكثير من طاقاتهم وقدرتهم على التحمّل.

طبيعي في تفصيل بعض معاني ذلك، ان لا تكون الحكومة قادرة على اتخاذ اي قرار، أي قرار، إذا لم يسمح «حزب الله» بذلك! وأن لا تكون القوى الأمنية قادرة على لجم عصابة اجرامية واحدة في البقاع إذا لم يسمح «حزب الله» بذلك! وأن يبقى الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية قائماً اذا لم يخضع الجميع لشروط «حزب الله» في الرئيس «المقاوم» المطلوب! وأن تتراكم قبل ذلك وبعده وفوقه، أزمات مالية واقتصادية وتنموية واجتماعية لا حصر لها نتيجة تراكم التشويه الممنهج لفكرة «الدولة» لصالح المعادلات الخشبية التي تبدأ بالسلاح ولا تنتهي عند «المؤتمر التأسيسي» الذي يريده ويبحث عنه «حزب الله»!

الباقي تفاصيل، حتى لو كان على ذلك القدر من الصخب والحضور والانفلاش والتأزم!