الحوار مستمرَّ على رغم تأجيل اجتماعاته أسبوعين مبدئياً. ومن الضروري وطنيّاً ودستوريّاً واقتصادياً واجتماعياً استمراره كـ”مؤسسة رديفة” خلال فترة “الاحتجاب” القسري لمؤسَّسة مجلس النواب، ومؤسسة مجلس الوزراء، ومؤسسة رئاسة الجمهورية بصورة كاملة تحيط بها علامات الاستفهام والاستغراب والتعجّبّ.
واذا قيل، أو سئل ماذا حقَّق الحوار في اجتماعاته التي استمرت يومين قبل الظهر وبعده، ولساعات طوال، فالجواب انه حقق الكثير وأَنجز ما كان شبه مستحيل، ألا وهو جمع الاضداد والمتباعدين والمتشابكين على جبهتين من المستحيل جمعهما أو التقريب بينهما.
والحق مع مروان حماده حين يقول في هذا الصدد إن عدم انفراط طاولة الحوار يشكّل بكونه بذاته انجازاً كبيراً للوضع اللبناني الذي يعرف القاصي والداني انه في غاية التعقيد، والتشرذم، والتنافر، والتباعد حتى اشهار العداء، والطلاق من دون اكماله بـ”الثلاثة”.
لقد حقّقت دعوة الرئيس نبيه برّي الخطوة الأصعب في موضوع الحوار، وهو ما يمكن وصفه بجمع الماء والنار حين اجتمع الخصوم والمتبارزون في ساحات لبنان التي لا تختلف عن ساحات الوغى. وتحت سقف واحد. ولساعات. طوال يومين، وخلال أربع جلسات.
وهذا “الحدث” يمكن اعتباره الانجاز الأصعب في ميزان الإنجازات وجدول الأعمال، وحيث لم يعد من رابع المستحيلات طرحها، ومناقشتها، وربما انجاز بعضها… في انتظار حصول “أعجوبة” الافراج عن الاستحقاق الرئاسي، وعودة الحياة الى قصر بعبدا، والمؤسسات الدستورية، ولبنان بأسره.
المطمئن من جهة أخرى أن الجو السياسي في البلد يشير الى ارتياح الناس للحوار ولاجواء الهدوء والتقارب التي سادت الاجتماعات، واللقاءات الجانبيَّة بين مختلف الشخصيّات التي “تجمع” بينها خصومات مزمنة، وكباشات سياسيَّة داخلية وخارجيَّة ليست سهلة العلاج.
أما بالنسبة الى بيت القصيد، وبيت الداء، فان الحوار الذي أعلن الاستحقاق الرئاسي هدفاً له يعلم اعضاؤه ومرجعياته حجم العراقيل والصعوبات التي تحيط به، والتي ليس في امكان المتحاورين مهما تجمُّعوا وتآزروا القفز من فوقها مرَّة واحدة.
لقد طالبنا الحوار والمتحاورين بلبننة الفراغ الرئاسي، فليس على سبيل التحدّي أو تجاهل الواقع. واذا كان لبنان قد نجح مرة يتيمة في لبننة الاستحقاق الرئاسي، فقد كانت الأسباب والظروف والاجواء مختلفة كليّاً، سواء داخل لبنان ام على مستوى العالم العربي.
في هذه الفترة العربيَّة الشديدة الخطورة، والمصيريَّة، من المهّم جداً استمرار الحوار، واستمرار التشاور والتعاون بين الأفرقا المتخاصمين، ريثما يصيح الديك.
المهم كثيراً الآن المحافظة على الحوار كحبل خلاص موقت والحؤول دون قلب طاولته.