قبل 3 أعوام، دخل الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله الحرب السورية وخاضها بعناوين متلوّنة. حين اقتحم ريف دمشق كان يحارب «دفاعاً عن المراقد»، وحين محا بالقصف معالم القصير وحمص القديمة وهجّر أهالي القلمون صار يحارب «المجموعات المسلحة» ليحمي لبنان وحدوده (طبعاً قبل ظهور «داعش»)، وحين أوغل في الدم السوري على مساحة سوريا بات يقاتل التكفيريين «على طريق القدس»! لم يمر وقت طويل حتى جاء الرئيس الايراني حسن روحاني ليفضح الحقيقة العارية. «تدخلنا في سوريا والعراق وفّر هامشاً امنياً لايران لاجراء المفاوضات النووية مع الغرب، ولو لم نقاتل في بغداد والفلوجة وتكريت والرمادي وسامراء وكذلك في دمشق وحلب، لما كان لدينا الأمان لنفاوض المجموعة السداسية بهذا الشكل»، يقول روحاني في كلمة نقلتها وكالة «تسنيم» الايرانية خلال مراسم تكريم المفاوضين الايرانيين.
ما هكذا دخل نصرالله الى سوريا قبل 3 أعوام. ما هكذا كانت حججه عندما حشد لتدمير القصير. خطاباته وإعلامه وأغنيات منشديه لم تكن لتقول ان «الحزب الإلهي» دخل الحرب السورية ليسهّل مهمات ايران التفاوضية! حتى ان نصرالله نفسه نفى مراراً اية علاقة للمفاوضات النووية بملفات المنطقة ولبنان، يوم قال ضاحكاً ساخراً، «يا إخوان، الاتفاق النووي هو اتفاق تقني ولا علاقة له بملفات المنطقة». وذهب في دفاعه عن نظرية «ايران الملاك» الى حد القول ان «التفاوض في الملف النووي استثناء لن يتكرر في اي ملف آخر من ملفات السياسة!».
كل ما نفاه نصرالله عن اهداف تدخّله في سوريا والمنطقة صار اليوم معلناً على لسان اصحاب الحروب والمفاوضات. يحق للّبنانيين والعرب ان يتساءلوا: ماذا عن «طريق القدس» واستحضار القضية الفلسطينية «على الطالعة والنازلة»، وربط حرب «حزب الله» بالغائية الاساسية المزعومة لوجوده السياسي والعسكري، التي اعطتهم المشروعية على مدى عقود؟ السيد لم يكتفِ بإعلان ان «الطريق الى القدس» تمر بسوريا، بل قال «انك لا تستطيع ان تكون مع فلسطين الا اذا كنت مع إيران واذا كنت عدواً لإيران فانت عدو لفلسطين والقدس». وماذا عن حربه على «آكلي القلوب والأكباد» الذين خرجوا اصلاً من سجون الاسد والمالكي في «ليلة بكى فيها القمر»؟ وماذا عن اتّهامه للغرب باعتماد «المغالطة والخداع» في تصوير الصراع على نحو مذهبي؟ وماذا عن اتهامه للسعودية وتركيا ودول الخليج بأنها تشن حروباً في المنطقة وتدعم الارهاب؟ ذلك الارهاب الذي لم يحاربه محور «المقاومة والممانعة»، بل اراد ان يكبّر فزاعتة ليُرعب الغرب من الارهاب السني في استدراج لعروض توكيل «الولي الفقيه» بدور شرطي المنطقة «على طريق الاتفاق النووي». ذلك الارهاب الذي لم يحظ الا بـ10% من الغارات الروسية على مساحة سوريا مذ اعلنت موسكو تدخّلها رسمياً.
لا مشكلة لدى السيّد في تصريحات روحاني. سيجد من يقول له لبّيك بمعزل عن حقيقة اهداف الحرب. آخرون سيتباهون بكلام روحاني ولن يروا فيه حرجاً خاصة وأن نصرالله أعلن مراراً انه جندي في «ولاية الفقيه». مع ذلك، كلام روحاني سيشكّل مشكلة صامتة لحزب الله. مشكلة تهدم بناءً وتسويغات وحججاً وفتاوى استغرقت سنوات لتُكرّس في ذهن الجمهور. سيصبح مجرّد كلام روحاني المعلن (وقد يكون ما خُفي اعظم) مثار سخرية لكافة الحجج والعناوين التي خاض نصرالله الحرب نيابةً عن ايران تحت ستارها.
لو لم تقاتل ايران في سوريا والعراق لما كان لديها الأمان لتفاوض المجموعة السداسية ؟ هذا في احسن الحالات يعني ان ايران، الملتزمة نهج الدين المحمدي الاصيل، فاوضت الغرب و«الشيطان الأكبر» على أشلاء السوريين والعراقيين والشيعة العرب. وهذا يوضح أمراً واحداً، وهو ان طريق القدس لا تمر في سوريا! بل ثمة «مفترق طرق» على اوتوستراد الحرب يوصل ايران الى «الاتفاق النووي». . .