IMLebanon

اعتراف روحاني يقدم الدليل

 

هدوء الاحتجاجات الشعبية في إيران، أو حتى اختفاؤها، لا ينفي أنها ستترك من ورائها جُرحاً باقياً في أعماق نظام الملالي الإيراني الحاكم، ثم في أعماق المرشد علي خامنئي بالذات، باعتباره رأس النظام!

ورغم أنه لا شيء يربط بين نظام خامنئي القائم أمامنا، وبين نظام الرئيس السادات الذي قام في سبعينات القرن الماضي، فإن هذا الجُرح الباقي، هو الشيء الوحيد الذي يظل يصل بين مشهدين، أحدهما كان قبل أربعين عاماً بالتمام، في القاهرة وفي مدن مصرية، وثانيهما تابعناه مع العالم كله في أنحاء متفرقة من إيران، وليس في طهران وحدها، مع بدء العام الجديد!

في السبعينات، وتحديداً في 18 و19 يناير (كانون الثاني) 1977، خرجت احتجاجات في قاهرة المعز، وفي عدد من المدن من بعدها، وكانت كلها ضد قرارات للسادات أدت إلى ارتفاعات في أسعار سلع أساسية… وبصرف النظر عن الأسباب وراء الاحتجاجات هناك، في الحالة المصرية، وبينها هنا في الحالة الإيرانية، إلا أن الشيء محل الإجماع بين الذين كانوا قريبين من السادات وقتها، هو أنه بعدها لم يكن كما كان قبلها على كل المستويات… فالرجل قبلها شيء، وبعدها شيء آخر، بتأثير من ضغط لعواقبها دام عليه!

ورغم أنه رآها في وقتها، انتفاضة حرامية، ولم يوافق مطلقاً على اعتبارها انتفاضة شعبية، فإن الاختلاف على تسميتها بينه وبين معارضيه، لم يمنع أن يكون لها في نفسه أثر محفور، إلى يوم أن غادر الدنيا بعدها بأربع سنوات!

كان تقدير السادات قبل أن تفاجئه الاحتجاجات على غير انتظار، أنه قدّم لمواطنيه ما يجعلهم يحتفلون به في الشوارع، لا أن يتظاهروا بعنف ضد قرار اتخذه، مهما كانت سلبيات القرار… وكان هذا التقدير من جانبه صحيحاً في ظني، في جانب كبير منه… ولكن منذ متى كان تقدير الجالس على الكرسي، هو ذاته تقدير الذين يتحركون في الشارع من بين آحاد الناس؟!

ولذلك، فالذين رأوه عن قرب، ورووا عن حياته يرحمه الله، قالوا إنه عاش بعد الأحداث، وفي وجدانه تساؤل حائر عن دوافعها لدى الملايين، الذين كان هو قد أعاد لهم أرضاً محتلة، قبلها بأربع سنوات، وحقق انتصار أكتوبر (تشرين الأول) 73 المجيد… وبالإجمال، فهو منذ تولى الحكم في 1970 إلى يوم اندلاع الأحداث، كان يفكر فيما حوله من أمور بطريقة… وفيما بعدها انقلب يفكر ربما في الأمور نفسها بطريقة أخرى تماماً!

ويمكن أن ترفع اسم السادات، مما سبق، وتضع مكانه اسم علي خامنئي، فلا يختلف المعنى من حيث عواقب ما شهدته المدن الإيرانية، في دخيلة مرشد الثورة في إيران… إنها ستظل عواقب باقية، ابتداء من لحظة انطلاق الاحتجاجات، إلى اليوم الذي سيكون عليه فيه أن يغادر موقعه في مُقبل الأيام!

وسوف يكون علينا أن نرصد في المستقبل، تداعيات ما جرى في رأس خامنئي بالذات… فالزاوية التي سيقرأ منها هو، حقيقة احتجاجات فاجأته على غير توقع، ستنعكس حتماً على الذين يطبقون أفكاره فوق الأرض من حوله… من أول الرئيس حسن روحاني نفسه، ومروراً بوزير خارجيته محمد جواد ظريف، وانتهاءً ربما بقائد حرسه الوطني، ثم وصولاً إلى آخرين في نظامه يؤدون أدواراً يرسمها كمرشد ويحددها من مكانه!

ويبدو من مشهد مناقشة ما حدث في جلسة مجلس الأمن، التي دعت إليها الولايات المتحدة الأميركية، مساء الجمعة، أن المجتمع الدولي الذي راقب الأحداث عن قرب، أراد لها أن تهز نظام الملالي، ولا تسقطه، فبدا الأعضاء الخمسة الدائمون في المجلس منقسمين بوضوح: واشنطن ولندن في جانب منتقد، وراغب في إجراء عقابي لخامنئي وجماعته… وموسكو، وباريس، وبكين، في جانب آخر لا يرى فيما حدث تهديداً لأمن الإقليم، ولا لغير الإقليم، على أي مستوى، ويراه شأناً داخلياً مجرداً لا يحق للولايات المتحدة، ولا غير الولايات المتحدة، أن تدس أنفها فيه، ولا أن تتداوله خارج بلده!

والأمر في حقيقته، ليس هكذا بالطبع أبداً في نظر روسيا، وفرنسا، والصين، لأن الموقف الروسي تحكمه الرغبة في الوقوف مع الحكومة الإيرانية ضد الولايات المتحدة على طول الخط، ولا يهمه في شيء رغبات قطاعات عريضة من الإيرانيين خرجوا محتجين على سوء الحال، ومستائين من تبديد ثروات بلدهم في مغامرات إقليمية لا تعود عليهم بشيء، ولكنها تزيد من معاناة كل واحد فيهم، اقتصادياً، من يوم إلى يوم!

هؤلاء لم يكونوا في اعتبار المندوب الروسي، بأي مقدار، وهو يناكف نيكي هيلي، مندوبة ترمب في المجلس، فيرفض بشكل مطلق إدانة نظام خامنئي، ويرفع حق الفيتو مُشرعاً في وجه كل مَنْ يفكر في مؤاخذة الذين طاردوا المحتجين في طهران، وفي مشهد، وفي كرمانشاه، وفي قُم، وفي أصفهان، وفي غيرها من المدن!

وعلى المستويين الصيني والفرنسي، كانت حسابات المصلحة مع النظام الإيراني، هي الحاكمة، وهي البوصلة المُوجهة، وهي الترمومتر الذي يقيس ويحسب الخطوات، وهي الغالبة، ولم يكن لأشواق المحتجين في تلك المدن، إلى العيش الكريم، أو إلى الحق في حرية التعبير، أي حساب في مرآة فرنسا، ولا في مرآة الصين!

فالذين خذلوا تطلعات الشعب الإيراني في عمومه، ليسوا رجال المرشد في الداخل وحدهم، فلقد كان الشعب كفيلاً بهم، لو أنه صادف تجاوباً مع مطالبه خارج حدود بلده، ولو أن الذين يتحدثون عن نُصرة الشعوب في كل مناسبة، قد نصروه حقاً، وتفهموا هتافاته التي نادت بأن تكون ثروة إيران لشعبها، لا للإنفاق على عبث المرشد في دول الجوار، وفي غير دول الجوار!

الذين خذلوه هُم الذين رأوا في انتفاضته أمراً داخلياً، حين عُرضت عليهم في مجلس الأمن، وأنها أقل من أن تذهب إلى المجلس في جلسة طارئة، وإذا ذهبت، فالفيتو جاهز لإفراغ الجلسة من مضمونها، بالقفز فوق المعنى الحقيقي في أحداث ملأت إيران، واستحوذت على اهتمام العالم لأيام! وليس أدل على هذا الخذلان، إلا اعتراف الرئيس روحاني في حديث مع وكالة «رويترز» قبل يومين، بأن الأسباب وراء الاحتجاجات سياسية، وثقافية، واجتماعية، قبل أن تكون اقتصادية!

ما أتعس الإنسان في عالم تخلى عن المبادئ، وأحل في مكانها مصالح تتبدل يوماً بعد يوم!