اللافت في تحذير إيران من نسف الاتفاق النووي إذا استمرت وتيرة العقوبات الأميركية على تصاعدها، هو أنّ صاحب التحذير ليس إلاّ الرئيس حسن روحاني وليس غيره من أقطاب وغلاة المتشدّدين في بلاده.
واللافت أكثر، هو أنّ الاتفاق في ذاته، الذي تولّى تفاصيله وتضاريسه فريق الرئيس روحاني، ارتدّت مفاعيله الداخلية والخارجية سلباً على هذا الفريق ووزنه وتأثيره وفعاليّته في السلطة وتركيباتها. بحيث أنّ ازدواجيّة «الانفتاح» على الخارج (الأجنبي!) في موازاة تفعيل التدخّل السلبي في دول الجوار (العربي والإسلامي!) لم تفد في الخلاصة سوى أصحاب نظرية تصدير الثورة. وهؤلاء يسيرون على المسطرة: كل متر إضافي في الخارج، في اليمن أو العراق أو سوريا أو لبنان، يقابله متر موازٍ في الداخل، حتى لو أعطت صناديق الاقتراع أرجحيّة لأخصامهم الروحانيين!
وهذه المعادلة تعني، أن روحاني فاز لولاية رئاسية ثانية لكنّه بقي على حاله بالنسبة الى مدى تأثيره في السياسات العظمى للدولة! بل الأرجح هو أن قدرته على ممارسة صلاحياته تقلّصت أكثر مما كانت عليه في ولايته الأولى، وليس العكس، وأن «المرشد الأعلى» الذي لا تُردّ كلمته في كل حال، يستطيع أن «يحاجج» رئيس الجمهورية، بأنّ فريقه لم يستطع إنقاذ الاقتصاد الإيراني ولا تسجيل اختراقات دولية كبرى بعد توقيع «الاتفاق النووي»، في حين أنّ الفريق المناوئ استطاع أن يمدّ أسلاك «التنوير الثوري» مسافات إضافية في الخارج وأن يعزّز درع النار الإقليمي الواقي، بغضّ النظر عن الأساليب والأكلاف والمناورات والصفقات والحساسيات والروسيات والإسرائيليات… إلخ!
موت الشيخ هاشمي رفسنجاني، صعّب أمور روحاني وفريقه. لكن «صعود» دونالد ترامب الى الرئاسة الأميركية، أوصل تلك الأمور، أو يكاد، الى زاوية مقفلة. خصوصاً بعد إظهار ساكن البيت الأبيض إصراراً على التملّص من بعض موروثات سلَفِهِ السيّئ الذكر، باراك أوباما. وإشهار التصدي لأدوار إيران الخارجية. والعودة الى اعتماد سلاح العقوبات الاقتصادية والمالية في وجهها. أي أنّ ترامب لا يريد (أو لا يستطيع) إلغاء «الاتفاق النووي» لكنّه يريد (ويستطيع) الالتفاف عليه من خلال الفصل بين حيثيّاته التقنيّة الاستراتيجيّة الخاصّة بتشليح الإيرانيين فرصة الوصول الى تصنيع «القنبلة» الإفنائيّة، وبين ملحقاته (المخزية) التي أعطى بموجبها أوباما «ما لا يملك الى من لا يستحق»! ودفع من كيس العرب والمسلمين، من اليمن الى سوريا، ثمن شراء ذلك الطموح النووي المرعب!
لكن المفارقة، أنّ سياسات ترامب (حتى الآن؟!) لم تلجم إيران خارجياً وعملياً، لكنّها أضرّت بالفريق الذي يرأسه روحاني داخلياً من خلال تفعيل منطق العقوبات، وتفشيل خطط النهوض التي بُنيت على فرضيات المردود الإيجابي لتوقيع «الاتفاق النووي»!.. وهذا تناقض، يصعب المرور عليه بخفّة! أو تجاهله! إلاّ إذا رأى الرائي حصافة في إساءة النيّة بترامب وفريقه مثلما كان الحال مع أوباما وفريقه! وفي هذه الحالة، يصرخ روحاني وتذهب صرخته سدىً! وتبقى إيران مأسورة بذلك النمط السلطوي الباحث عن اقتدار إحيائي في فضاء أبوكاليبسي (مهدوي) تام!